تشرفت بزيارة المهرجان في يوم السبت الثاني والعشرين من شهر جماد الآخر، وسرني ما رأيت من جهود متفانية متكاتفة لإنجاحه وإبرازه إعلاميًا في كل المحافل، ولست في هذه العجالة بصدد الثناء عليهم أو انتقادهم على أمور يصعب الحكم عليها من زيارة واحده؛ لكني أردت أن أتحدث بصورة عامة عن درس مهم تحتاجه محافظة من فئة (أ) حظيت بدعم كبيرٍ من محافظها الجديد والنشيط سعادة الدكتور/ فيصل الحازمي، ورئيس بلديةٍ جديد المهندس/ عماد الصبحي، وغيرهم من إخوانهم، وكلهم بحمدالله فيهم روح الشباب والتجديد والنشاط يسبقه الإخلاص وحسن التوكل على الله.
يبدأ هذا الدرس بمعلومة ذكرت لي عند أول حضوري من الأستاذ/ فؤاد الصبحي، المشرف على المهرجان، وهي أن عدد الحضور بلغ وقتها (177323) زيارة (!) نعم.. كان الرقم مفاجأة سارة للقائمين عليه، ولي أيضاً، وهو رقم مشرف لمهرجان يعقد لأول مره، لكن الرقم لم يستوقفني كثيراً قدر ما استوقفني الحديث بلغة الأرقام نفسها.. اللغة التي طالما أهملناها في كثير من محافلنا وأنشطتنا، سررت جداً بسماع هذه اللغة في الوقت الذي ما زلنا نفتقد لقاعدة بيانات (data base) بها جميع الإحصائيات على مستوى يليق بمحافظة من فئة (أ)، سررت جداً لأن لغة الأرقام لا تكذب أبداً ولا تجامل أحداً ولن يتم تطوير المحافظة من دونها.
التطوير الناجح له جناحان: (1) التخطيط السليم (proper planning) و (2) اتخاذ القرار الصائب (proper decision making)، فلا تخطيط من غير إحصاء (لغة أرقام) عن “ما أملكه” وما “أسعى لتحقيقه”، لا تخطيط من غير إحصاء عن “ما أنجزناه” وما “أخفقنا في إنجازه”، لا تخطيط سليم إذا لم أمتلك البيانات اللازمة (quantitative data) التي تتيح اتخاذ القرار السليم في الوقت المناسب.
نحتاج إلى لغة الأرقام للنهوض بالمحافظة اجتماعياً واقتصادياً وتعليمياً وصحياً، لغة الأرقام هي طريقة تفكير المطور وهي أساس نظرتنا للأمور بعيداً عن العاطفة ثم اتخاذ القرار الأمثل والحكم بها على النتائج أيضاً.
لغة الأرقام تحتاج أمرين لا ثالث لهما: (1) الطلب (data acquisition) و (2) التحليل (data analysis)، فالطلب يحتاج إلى الدقة العلمية والمهارة في الكشف عن القيم المتطرفة (outlier numbers) والتحليل يحتاج إلى المهنية العالية في تطبيق قوانين الإحصاء لاستنباط النتائج ووضعها بين يدي صانع القرار، ربما يبدو هذا الكلام فيه نوع من الغموض، لكني أتبعه بمثال للتوضيح (مجرد مثال فقط):
جميع أبناء المحافظة ـ ممن هم في جيلي أو أكبر ـ يعلمون كيف كان هذا الوادي (بكل مراكزه الحالية) جنات وارفة يُجنَى منها أطايب الثمر لدرجة الاكتفاء الذاتي، ثم ما لبث أن تغير الحال ومات الشجر وشح الماء ودب التصحر ينهش أطرف الوادي.
كثرت التساؤلات عن الأسباب والحلول، لكنها كانت بلغة عاطفية لا يعول عليها في حل مشكلة أو درء قدومها، إذًا، إذا أردنا مناقشة مشكلة مؤرقة بهذا الحجم، ماذا نحتاج؟ أين البيانات (لغة الأرقام) عن مناخ المحافظة؟ هل لدينا أجهزة رصد على مستوى المحافظة؟ هل نمتلك قاعدة بيانات بالمياه الجوفية ومنسوبها في آخر خمسة عقود؟ هل أدركنا كم تبلغ نسبة التصحر؟ … إلخ.
أقول ـ بكل أسف ـ لغة الأرقام متعطلة تماماً في هذا المثال، فلا إحصائيات ولا قواعد بيانات ولا أجهزة رصد، فكل مناقشة لهذه المشكلة حالياً لن يقدم أو يؤخر.
يتبقى الأمل في التخطيط لإيجاد قاعدة بيانات للأجيال القادمة التي ربما تفهم لغة الأرقام أكثر من لغة العاطفة، نحتاج لتطبيق هذا المثال في تطوير بقية أمورنا الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والصحية، فكلها تفتقر للغة الأرقام بكل أسف.
الدكتور عبدالله محمد الصبحي
أستاذ مشارك بجامعة الملك عبدالعزيز
مقالات سابقة للكاتب