“تحاول أن تعرف سعر كل شيء لكنك لا تعرف قيمة أي شيء”!!!
أقتبسُ هذه الجملة المؤسسة من كلام الفنان الأكثر موهبة وصدقا في السينما العربية – يحيى الفخراني – في حواره مع الفنان محمود عبدالعزيز في فيلم الكيف، لبدأ هذا المقال الذي بدور حول القيمة، والسعر في ميزان الأخلاق.
وقد نبهني لهذا الفيلم صديق عند حديثنا عن أحد أفضل المسلسلات الأمريكية المعاصرة على الإطلاق “بريكنج باد” وعن نجمه الأسطوري براين كرانستون ، وحقيقة هناك قاسم مشترك وتشابه كبير بين محتوى الفيلم والمسلسل و شخصية بطليه.
إن الأخلاق الفاضلة ، كالصدق والأمانة ، و التواضع، والكرم وغيرها من القيم في عالم التشييء، والتسليع، و المادة لا تساوي شيئا.
فالتاجر الأمين لا يكسب كثيرا، وربما يخسر في منافسة الماديين (الفهلوية) أو الناجحين في أعمالهم كما يراهم الناس،
والأخلاق كقيمة فلسفية هي: شيء ذاتي تأخذ قيمتها من المرجعية التي ترتكز عليها وليس من موضعيتها.
فتعدد الرجل في الزواج مثلا عمل أخلاقي في المرجعية الإسلامية ، وتعدد المرأة في الزواج كذلك عمل أخلاقي في مرجعيات أخرى ، والتعدد بشكل عام، عمل غير أخلاقي في مرجعية ثالثة.
ولن تفلح أمة في الحفاظ على أخلاقها إن لم تحافظ على الرابط الدقيق والحساس بين القيمة والمرجعية.
اليوم نجد أن كثيرا من قيمنا الأخلاقية في مرحلة اللاتوازن !! والسبب: هو انفصال القيم عن المرجعية ، أو اختلافنا في مكانة هذا العمل في مرجعتينا الدينية أو الاجتماعية.
فكشف المرأة لوجهها مثلا متنازع في أخلاقيته أو لا أخلاقيته رغم أن المرجعية واحدة عند كلا الطرفين والأمثلة كثيرة.
نرجع لموضوع القيمة والسعر وأقول:إن من أخطر ما يمكن لحكمنا الأخلاقي على ما حولنا ، أن يُبنى على السعر وليس القيمة أو حينما نجعل للقيمة سعر وللسعر قيمة أو حينما نسلع القيم و المبادئ.
فالتعليم قيمة عندما لا نزرع في وجدان أبنائنا أن الهدف منه هو الحصول على وظيفة ذات دخل مادي مرتفع.. فيخرج جيل همه (النجاح) والدرجة فقط ، فيغش ويحصل على درجة يفاخر بها أمام الجميع دون أن يشعر ولو لمرة أنه دفع سعر الشهادة التي في يده من رصيد قيمه!
“أن القيمة : هي مجموع المعتقدات ، والقناعات التي ينظر من خلالها الفرد إلى أي موضوع سيكولوجي. إنسان، حدث. سلوك ،أو شيء والتي تعمل على توجيه رغباته واتجاهاته نحو هذه المواضيع السيكولوجية ، وتحدد طبيعة سلوكه تجاهها. القبولّ، الرفض، اللامبالاة، التعاطف، التحامل…”
وجماع القيم عند الفلاسفة ثلاثة: أمور الحق ،والخير ، والجمال، والقيم أحد مباحث الفلسفة الثلاثة كذلك وهي: الوجود، والمعرفة و القيم، فعندما نفقد القيم، فسيختل عندنا مفهوم الحق ، فنلبس به الباطل ، ويختل مفهوم الخير ، فنلبس به الشر ، ويختل مفهوم الجمال ،فنلبس به القبح
إن الفن وهو أحد القوالب التي تظهر فيها قيم الأمم يعبّر عن هذا البعد الفلسفي بجلاء ، فالرسم، والدراما، والسينما، و المسرح ،وغيرها من الفنون..تحمل في طياتها قيم المجتمعات المنتجة لها ولذلك قالوا : الفن المشوه لا ينتجه إلا مجتمع مشوه ، والفن الراقي يعبر عن رقي من أنتجه وتقبله وقدّره.
بينما تعبر الأرقام، والأرصدة عن السعر، والتشييء لا القيمة، و قد تتحول بعض القيم عند الماديين ، والمشوهين ، وفاقدي القيمة ، كالكرم مثلا ، الى أرقام (كم دفع؟ وكم ذبح من الولائم؟ .) وبالتالي إلى سعر لسلعة تسمى الكرم.
فعندما تسمع ب( كم ) فاعلم: أن ما يُقال بعدها لا قيمة له. إنما هي أسعار لسلع وماديات وتلوث.
يقول توفيق الحكيم : إن الشخص ذا القيمة هو الذي يعرف القيم كما يعرف الصائغ درجات الذهب.
مروان عبدالعليم الشيخ
مقالات سابقة للكاتب