كأن الله كتب على هذه الأمة التشتت والفرقة والخلاف بسبب أمور الكل يعلمها، ولقد تحققت فيها نبوءة الرسول الكريم ﷺ في حديث الخمسة خصال إذا فعلتها الأمة ومنها ( ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم.) فلقد عاش المسلمون في الأندلس – اسبانيا حاليًا – في ترف من العيش حتى انساهم الترف والنعيم أنهم احفاد من نذروا أنفسهم لتبليغ هذا الدين من أقصى الأرض إلى أقصاها، ونسوا كذلك أن هناك من يتربص بهم من الموتورين أصحاب الأرض التي فتحوها وتحولوا من مجاهدين وأبناء مجاهدين فاتحين إلى أناس لا يهمهم سوى إشباع رغباتهم من مأكل، وملبس، ونساء وتشيد للمباني، وتزيينها، والتفاخر بها ومن كان هذا دأبه وشأنه، وديدنه يوشك أن يغير الله حاله إلى أسوء حال وبالفعل فقد حدث ذلك وفي غفلة من القوم وهم في لهوهم سادرون غافلون نهض الموتورون واستعادوا ملكهم الذي سلب منهم وكان الانتقام رهيبًا، فقد نصبت محاكم التفتيش بسراديبها الموحشة المظلمة المتوحشة الرهيبة وأذاقوا المسلمين الويلات حتى قتل ما يربو على ثلاثة ملايين مسلم تحت التعذيب، والقتل على تخت المقاصل والسيوف حتى عاد بعض الذين ضعفوا تحت التعذيب عادوا إلى دينهم القديم النصرانية ممن أسلم من أهل تلك البلاد وما ذاك إلا بسبب ملوك الطوائف حين تشرذموا أشتاتا فهانوا على أنفسهم فاستهان بهم عدوهم….
وكان الشباب في الأندلس شبابًا مائعا رخوًا تمكن العشق منه إلى النخاع حتى جعله هائمًا تائهًا ضعيفًا بسبب النعيم الذي انغمسوا فيه إلى آذانهم، والممالك والدول، وحتى المجتمعات لا تقوم بهذا الشباب إذا رأتهم تكاد تجزم أن هؤلاء ليسوا أبناء وأحفاد من كانوا يصرون الحجارة على بطونهم من شدة الجوع وبرغم ذلك أذاقوا الامبراطوريات الهزيمة تلو الهزيمة وكسروا كسرى وقصروا قيصر حتى سلموها لمن لم يستحقها ولم يعرف قيمتها وكم من الدماء أهرقت حتى ينعم البلهاء بمجد لم يكونوا هم صانعوه.
نعم استهتروا بأرواح الفاتحين الذين سلموا لهم مفاتيح كنز ما أحسنوا حراسته وتدبيره فضاعت بين لهو ولعب وكأس وفينات وليالي حمراء تغتال فيها الفضيلة وتسيل فيها دماء الشرف يتمايلون على الحان (معبد) وأنغام (زرياب) ، ضحكوا ملأ أفواههم وقلوبهم حتى الثمالة سخروا حتى لم يدعوا للسخرية مكانا فماتت منهم القلوب ونسوا أن الأيام دول ،,(وان الله ليس بينه وبين أحد نسبا إلا طاعته) كما قال الفاروق عمر رضي الله عنه ، وأن التاريخ لا يحابي أحدا وتحققت فيهم كذلك الآية ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) نعم ضاعت الأندلس بسبب الفرقة والتناحر بيد أناس لم يحسبوا لتقلبات الأيام حسابا اتخذوا كل أمرهم لعبا ولهوا ومتعة فلما اخرجوا منها بكوا ندما بقدر ما ضحكوا في حين لا ينفع الندم ولا البكاء ، بكوا وهم يلتفتون خلفهم يتحسرون على سرقسطة، قرطبة، طليطلة، بطليوس، إشبيلية، بلنسية، غرناطة ناهيك عن الحمراء وقصورها التي أذهلت العالم.
وأصبحت بالنسبة للمسلمين أطلالا ومزارا يتغنى بها الشعراء وفي قلوبهم حسرة وغصة وأسى وهنا سؤال يطرح نفسه بقوة هل اتعظ المسلمون المتأخرون بما حصل لإخوانهم المتقدمين ولن تطول بنا الحيرة فثمة الجواب في حالنا اليوم نفس السيناريو يعيد نفسه هو هو بتغير طفيف في التاريخ أما الأحداث والأشخاص فتكاد تكون متشابهة الى حد كبير وأعمى البصيرة هو من يفتش عن إجابة بعيدا عن محيطه والأحداث التي تجري فيه في عالمنا اليوم هناك بريق يلمع وليس ثمة نور يهدي تائها فكما ضاعت الأندلس كذلك ضاعت من أيدينا أشياء ثمينة كنا نملكها فما أحسنا حراستها والتعامل معها فضاعت كذلك فما أشبه الليلة بالأمس..
والتاريخ منصف وناقد حصيف نسأل الله أن لا يجعلنا عبرة للآخرين .
بقلم: إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب