رسم أحدهم كاريكاتيراً لمجموعة أطفال يحملون حقائبهم على ظهورهم ، ويدخلون في نفق على هيئة كتاب ، ومجموعة أطفال يخرجون من الجهة الأخرى للنفق (الكتاب) برؤوس حمير !!.
كاريكاتير شديد السخرية ، وعالي الوضوح !!.
في أولى الرسائل المجهولة التي كانت تأتي لصوفي أمندسون ( بطلة رواية “عالم صوفي” ) جاء فيها : إن الميزة الوحيدة اللازمة لتصبح فيلسوفاً هي أن تندهش.
إن الأطفال يملكون هذه الصفة منذ الولادة ، وبداية تشكل الوعي .
فكل شيء يثير استغراب الطفل ودهشته ، الناس ، والأشياء العادية ، والحيوانات وهي بالنسبة لنا نحن الكبار ، لا شيء ؛ لأننا فقدنا هذه الميزة بحكم العادة والتكرار .
والآن يمكن أن نقول : ما علاقة الدهشة بالفلسفة ؟ ولم لا يصبح كل الأطفال فلاسفة ، إن كانوا يملكون أهم أدواتها؟!!
إن للدهشة لازمين لا ينفكان عنها ، وهما : التأمل ، وطرح الأسئلة .
ولكي نفهم أهمية هذين اللازمين، نلقي نظرة خاطفة على الطريقة العلمية ، أو المنهج العلمي الحديث ، والذي ندين له بحضارتنا وتقدمنا العلمي فتجده يبدأ بالملاحظة ، والملاحظة : هي تأمل في الظواهر ، وطرح الأسئلة حولها .. ما الذي يحدث ؟ و لماذا يحدث ؟ وكيف يحدث ؟.
ومن فقد القدرة على الدهشة ، لن يثيره شيء ، وستمر الحوادث حوله دون أن تثير فيه سؤالاً .
الحقيقة : أنها أثارت عنده أسئلة ما في طفولته ، ووجد الإجابة مقولبة عندما كان على مقاعد الدراسة ، وقد قام أحد المعلمين بحشو هذا القالب المتكلس في رأسه ؛ فوجد مكاناً فارغاً في دماغه ، وشكلت مع باقي القوالب أنموذجاً ثابتاً كما تصنع تمثالاً من قطع الليغو ، وتضعه على الرف دون أن تجرؤ على تحريك قطعه.
وقد يتساءل شخص ويقول : أوليس كل العلماء والفلاسفة قد تخرجوا من نفس المدارس التي خرج منها العاديون من أمثالنا ؟! .. وأقول : أن هؤلاء قادهم إلى أفق آخر نوادر من المعلمين، أو قدراتهم العقلية المتمردة للعبث بنموذج الليغو، فأعادوا فك المكعبات ، والقوالب , وبدافع من دهشتهم بدؤوا بتدوين الملاحظات..
طلب معلم مادة العلوم من ابني ، قبل نهاية العام الدراسي ، حل كتاب النشاط كاملاً ؛ ليضمن درجة كاملة في المادة .
تأملت الكتاب بعد أن طلب مني ابني مساعدته ، فإذا بالكتاب يحوي تجارب مبنية على أساس علمي، بعضها لإثارة التعلم ، وبعضها لتطبيق ما تعلموه ، وأخرى لتشكيل مجموعة عمل تلاحظ ، وتقيس ، وتتنبأ !!
وعندما شاهد استغرابي وقلة حيلتي ، قال : – بلا مبالاة – خلاص ، سأفتح موقع حلول ، وأنقل الحل.
استرجعت حينها ذلك الكاريكاتير، فأصبت بالرعب ، وقررت خلال الإجازة أن أشغل صيفه بما يفيده من أنشطة ، وأعد له جدولاً للقراءة الحرة لأنقذ ما يمكن إنقاذه من وعيه ، وأبقي على إنسانيته!.
يقول كارل ياسبرس : إن الأهم في المعرفة ، هو السؤال ، ويجب أن يتحول كل جواب إلى سؤال من جديد.
مروان عبدالعليم الشيخ
مقالات سابقة للكاتب