في أحد الأيام الماضية وقبل أكثر من أربعين سنة حيث لم أتجاوز العاشرة من عمري ، اجتمعت عائلتي كالعادة لتناول وجبة الغداء في منزلنا المتواضع بمحافظة خليص، فامتنعت عن تناول تلك الوجبة حيث كنت أرغب في وجبة أخرى والتي سبق وأن تناولناها مع والدي – يرحمه الله – في جدة وغير متوفرة في محافظتنا آنذاك (ألا وهي وجبة الكباب)، فنظر إليّ الوالد بنظرة مشفق وقال لي (كُل يا وليدي الآن وإن شاء الله إذا رحنا إلى جدة نأخذ لك كباب) ، ولكنني أصريت على موقفي فما كان منه إلا أنه وضع يده اليمنى في جيبه ثم أخرجها وكأنه يحمل شيئاً ما فيها ووضعها على أذنه (وكأنني أرى الموقف أمام عيني الآن) وقال (الو يا عم علي بالله سوي لنا نفرين كباب علشان أسامة) .. (إلى هنا وانتهى المشهد).
ولا أعلم هل تغديت في ذلك اليوم أم لا؟
ولا أعلم هل ذهبنا إلى جدة لتناول وجبتي المفضلة أم أن القدر حال دون ذلك؟
ولكن كل ما أتذكره أنه وضع يده في جيبه ثم وضعها على أذنه مخاطباً عم علي ( جابراً لخاطري ومراعاة لمشاعري حيث أنني أكبر أبنائه رحمه الله رحمة واسعة) ..
استحضرت ذلك المشهد وقلت يا الله! لم يكن يعلم والدي آنذاك أنه سيأتي اليوم الذي سيكون بإمكاننا أن نخرج هواتفنا من جيوبنا لنتصل ونطلب ما نريد ثم يصل إلينا من أي مكان في العالم وليس من جدة فقط، في الوقت الذي كانت المحافظة تفتقر لأهم مقومات الحياة ألا وهي الكهرباء حيث كانت تنقطع بين الفينة والأخرى، كان ضربا من الخيال وأمراً مستحيلاً في ذلك الوقت ولكنه أصبح واقعاً ملموساً نعيشه الآن، فسبحان الله.
ولعلي أقف على بعض الفوائد من هذه القصة :
1. استمتعوا مع أولادكم وشاركوهم وأجبروا بخاطرهم فقد ترحلون يوماً ما ويبقى الأثر.
2. خططوا لمستقبلكم وضعوا أهدافاً لكم واكتبوها حتى وإن كانت مستحيلة، فما كان مستحيلاً قد يصبح واقعاً يوماً ما.
3. اجعلوا الحوار سمة في بيوتكم، اغرسوا في أولادكم المبادئ والقيم الإسلامية، عززوا الثقة في نفوسهم ستكون النتائج رائعة بإذن الله وستقضون أوقاتاً رائعة معهم.
هذا ولعل الإخوة والأخوات يشاركوننا بعضاً من تجاربهم في هذه الحياة، لعلنا نستفيد من بعضنا البعض .
رحمك الله يا والدي رحمة واسعة ورحم الله جميع موتى المسلمين الذين شهدوا له بالوحدانية ولنبيه بالرسالة
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أسامة سعد المغربي
[email protected] البريد الإلكتروني
تويتر @all_ebdaa3
مقالات سابقة للكاتب