وصلتني رسالة من صديق عزيز يعمل معلمًا في إحدى المدارس الحكومية تحمل في طياتها كمًا كبيراً من الألم والقلق على مستقبل شبابنا وأولادنا، وأردت أن أشارككم مضمونها لعلنا نستطيع توصيل رسالة مهمة وندق بها ناقوس الخطر بسبب القادم من ناحية ما يتم عرضه عبر وسائل التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا) وخاصة على حسابات المشاهير الذين يتابعهم الملايين وإليكم نص الرسالة:
اخي العزيز (محمد الحربي ) بعد التحية:
انتابتني حالة من الحيرة وأنا أتابع الألفاظ والسلوكيات التي أصبحت منتشرة بين طلاب المدارس المتوسطة في وقتنا الراهن، وأؤكد لك أنها لم تكن موجودة من قبل بل هي أمر دخيل على ثقافتنا وتقاليدنا، فقد أصبحت التفاهة عنوان الجميع يلهثون خلفها بلا اهتمام بالواعظ الخلقي أو الديني، فأصبح وجود الشاب المتطلع إلى تحصيل المعرفة الجادة أمراً نادرًا، بل يمكنني أن أؤكد لك أن كثير من الأفكار المتطرفة يتم زرعها في اللاوعي لدى هذا الجيل عن طريق هؤلاء الذين يحتلون منصات مثل (تويتر) و(سناب شات) ويتمتعون بشعبية جارفة؛ رغم سطحية وتفاهة ما يقدمونه، ولقد لمحت علامات الفتور تزين وجوه شباب كنت أنتظر لهم مستقبلاً باهراً ولم أجد سبباً لهذا الفتور وعدم الاكتراث إلا أنهم وجدوا أن التفاهة أصبحت سلعة رائجة توضع لها الميزانيات الضخمة وينفق عليها الملايين وتستفيد منها شركات الإعلانات والدعاية وهؤلاء الأشخاص الذين طفوا على السطح فجأة بلا هدف حقيقي وبلا رسالة ذات معنى…. تقبل تحياتي
لقد كانت كلمات هذا المربي الفاضل كالملح الذي وقع على الجراح فزاد من ألمها فبين عشية وضحاها تحولت مجتمعاتنا العربية إلى بيئة خصبة لترويج الإشاعات والأفكار الضالة الهدامة، وساهمت منصات التواصل الاجتماعي في هذا كله، ولا يمكننا القول إننا ضد التكنولوجيا والحداثة، ولكن ينبغي أن تكون هناك وقفة اجتماعية حقيقية تجاه ما يتم طرحة من قضايا عبر حسابات من يطلقون عليهم مشاهير السوشيال ميديا. فأغلب القضايا والآراء التي يتم طرحها هي مجرد فقاعات بلا هدف اجتماعي نبيل بل هي مجرد أداوت لجذب مزيد من المتابعين ومزيد من الزيارات ومزيد من الأموال يحققها هؤلاء الأشخاص.
على مر التاريخ كان للمشاهير والرموز الاجتماعية دور حقيقي في التثقيف والتوعية، وكم قاد هؤلاء حملات من أجل تصحيح مفاهيم خاطئة أو إرشاد المجتمع للقيم النبيلة، ولكن مع تراجع دور الإعلام التقليدي وظهور الإعلام الالكتروني توارت تلك الآراء البناءة وحل محلها جيل جديد من المشاهير لا يتمتع بأية موهبة سوى السذاجة والتفاهة والسطحية وانعدام الرؤية والبصيرة أيضًا، وأصبحوا أداة لهدم القيم، وأصبحت الأجيال الجديدة تقلدهم بشكل أعمى وهو ما يعني انعكاس تلك السطحية والتفاهة على حال المجتمع ككل.
وقد أكدت كثير من التقارير أن مشاهير السوشيال ميديا يستغلون متابعيهم للترويج لمنتجات وإعلانات مدفوعة الأجر بلا خضوع لرقابة الجهات المسئولة عن الغش التجاري، وبلا توضيح لحقيقة ما يجنونه من أموال مقابل تلك الإعلانات، بل زاد من خطورة وجودهم ترويج بعضهم للأفكار التي تناقض القيم الثابتة للمجتمع بما يعني أنهم يساهمون في هدمه، بل وينشرون الأفكار الضالة والشاذة بلا وازع من خلق أو ضمير، ولم يفكروا يومًا في الترويج لفكرة ذات مردود اجتماعي أو إنساني مفيد، بل يمتنع كثير منهم عن الترويج للمؤسسات الاجتماعية الخيرية التي تهدف إلى مساعدة المحتاجين أو تقديم الدعم للفئات غير القادرة والسبب معلوم بلا شك لان تلك الجهات لن تدفع لهم ما يريدون من أموال.
ولعل الحملات التي تظهر بين الحين والآخر لوقف متابعة حسابات هؤلاء هي خير دليل على أن خطرهم بات واضحاً للعيان، وربما طال كثير من الأسر نتيجة هذا النهج السلوكي غير المنضبط الذي يزرعونه في الصغار والمراهقين، إننا لسنا ضد ظهور الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي، ولسنا ضد شهرتهم بل يمكن أن يتحول دورهم إلى أداة بناء قوية خاصة وأن متابعي تلك المواقع يزدادون يومًا بعد يوم ولكننا ضد التفاهة والسذاجة والجهل، فلو أُحسن استخدام تلك التكنولوجيا ووضعت أدوات لمراقبة تلك الحسابات؛ فمن الممكن أن تساهم في نشر الثقافة الصحيحة والقيم الإنسانية النبيلة.
محمد بن عواض الحربي
مقالات سابقة للكاتب