قبل أيام ظهرت صورة من صور الإنسانية التي غرسها الخالق في البشر وتلخصت في ذلك الشاب المسلم الذي ينتمي إلى دولة مالي الإسلامية ( مامادو جاساما ) أو (محمد جاساما )والذي هاجر إلى فرنسا بعدما ضاقت عليه الحيل وسبل العيش في دولته الفقيرة والمليئة بالإنسانية فالفقر لا يسلب المرء إنسانيته التي جبله الله عليها فلقد رأى العالم بأسره كيف تسلق الشاب ذو الاثنين والعشرين عامًا البناية التي تدلت طفلة من أحد شرفات أدوارها وفي أقل من دقيقة وصل إلى الطفلة وأنقذها من السقوط والموت المحقق، سبحان لله إن أمورًا يقف الإنسان الضعيف أمامها متعجبًا وألطاف الله تأتي في أوانها وتجعل الإنسان يتساءل أي توفيق جعل ذلك الشاب وفي ذلك التوقيت أن يتواجد في تلك اللحظة المهيبة؟ وأي قدر ساقه إلى ذلك المكان فسبحان الله الذي يدبر الأمور ….
نعم تسلق الشاب لينقذ الطفلة لم يفكر في أنه ربما سيسقط هو قبل أن يصل إليها ويقول ذلك الشاب(ولأنني أحب الأطفال هرعت إلى إنقاذ الطفلة) نعم بمجرد أن رأى المنظر تحركت فيه إنسانيته التي جعلت فرنسا بكل قوتها وما فعلته في بلده الفقير على مدى عقود وهي تسلب تلك الدولة مواردها وتعيش عليها في حين يتضور سكانها جوعًا ويبحثون عن لقمة عيش ويتجشمون المخاطر في قطع الصحراء الكبرى ومن ثم ركوب البحر ولا يعلمون، أيصلون إلى غايتهم ومبتغاهم أم يحول الموت والضياع بينهم وبين الوصول.
نعم لقد أظهرت شجاعة وإنسانية ذلك الشاب أظهرت لفرنسا ضعفها وأن ذلك الفتى الذي جاء من دولة قد استعمرتها لعقود لا ليثأر منها بل لينقذ أطفالها وكأني فرنسا قد أصابها الخجل من فعل ذلك الشاب الشهم وكان لا بد من إظهار ضعفها وخجلها من خلال استقبال الرئيس الفرنسي ماكرون لذلك الشاب ومنحه الجنسية الفرنسية وضمه في سلك مصلحة الدفاع المدني الفرنسي لأنه المكان الملائم والمناسب الذي يجب أن يكون فيه ذلك البطل والحمد لله أنه مسلم ليضرب لأولئك القوم أن الإسلام مازال يخرج للبشرية أبطالا ينقذون حتى الذين لا ينتمون إلى دينهم وعقيدتهم بل ويظهر كم هم متسامحون مع الذين اذاقوهم الويلات والفظاعات ولا يزالون.
أرجو أن تجلس فرنسا مع نفسها وتراجع بعض سياساتها تجاه تلك الدول وتجاه الإسلام ولتعلم وليعلم كل من يظن أن الناس ينتمون فقط إلى بلدانهم وأن ولاءهم فقط لدولهم وشعوبهم وقوميتهم وإن القضية هي أن البشر يضعون في المرتبة الأولى الإنسانية التي تتحرك فيهم بمجرد أن ينادي داعيها فإذا بالنفس تستجيب من فورها بل إنها لا تفكر في المخاطر التي تنتج أحيانًا عن تلبية داع الإنسانية والآدمية، فالله خلق الناس وطلب منهم أن يتآخوا ويتعارفوا لفائدة الإنسانية جمعاء، وهذه دروس تظهر بين الحين والحين ليعود الناس إلى الفطرة السوية ويلقوا بتقلبات السياسة جانبًا هذه الحادثة أعطت درسا بل دروسًا لكل اليائسين الذين يظنون أن الحياة لا يمكن أن تجود لهم إلا بالصعاب نعم دروسًا تقول لنا أن ما بين لحظة وأخرى يغير الله من حال إلى حال، فقط ثقوا بالله ثم بما لديكم من قدرات قد منحها الخالق لكم وأنكم خلقتم لتكونوا خلفاء الله في الأرض بالإنسانية بالحب بالسلام بالتعايش المشترك مع كل أفراد هذا الكوكب الذي يجمعنا كبشر على اختلاف ألواننا وجنسياتناومشاربنا ولكن الأساس من أب واحد وأم واحدة .
إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب