مع نفحات هذا الكريم ندعو الله سبحانه وتعالى أن يصلح الأبناء وأن يجعلهم ممن يدخلون السعادة على والديهم .. فالأبناء نعمة نطلبها .. الأبناء زينة الحياة الدنيا .. الأبناء سند وعضد للوالدين .. الأبناء مستقبل الأمة .. الأبناء ثروة وعز وشرف للدين وللوالدين والوطن ، ولكن إن لم نحسن تربيتهم ربما يصبحوا نقمة ولعنة للوالدين خاصة وللوطن عامة ..
فهنا نتوقف لنعرف الاسم الذي يطلق على هذا الابن الذي أفسد معيشة والديه ..
العقوق ومعناه : عقوق الابن : عصيانه , جحوده .
العقوق لغة: من العق، وهو القطع.
العقوق شرعاً: كل فعل أو قول يتأذى به الوالد من ولده ما لم يكن شركاً أو معصية.
هو أيضاً كل فعل ما يوجب أذية للأبوين شفقة عليه ، وهو من الكبائر ، وليس العبرة بإطاعتهم وعدمها ، بل العبرة بكل ما أوجب أذية فيحرم ، وإلا فلا .
وهل بلغ بك العقوق يا أيها الابن إلى أن تنسى فضلهما وكرمهما ؟
عقوق الوالدين من الكبائر :
قال تعالي : “وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمها كما ربياني صغيرا ” .
روي عن أنس رضي اللّه عنه قال : ذكر عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم , الكبائر فقال : الشرك بالله، وعقوق الوالدين.
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ , وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ , وَالْمَنَّانُ عَطَاءَهُ . وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ : الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ , وَالدَّيُّوثُ , وَالرَّجِلَةُ مِنْ النِّسَاءِ } .
وَرَوَى ابْنُ عَاصِمٍ بِإِسْنَادِ عَاصِمٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا : { ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُمْ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا : عَاقٌّ , وَمَنَّانٌ , وَمُكَذِّبٌ بِقَدَرٍ } ، وَفِي مَرْفُوعِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَالْحَاكِمِ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ :
{ مَلْعُونٌ مَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ } .
وَفِي مَرْفُوعِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ :
{ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَبَّ وَالِدَيْهِ } .
بعد هذه الآيات والأحاديث وما ورد فيها ومن وعيد ولعن وطرد وإبعاد، نتساءل ، ماذا يعني لك أيها الابن ما ورد في الآيات والأحاديث ؟
هل تخاف مما ذكر ؟
هل تستمر في عقوقك ؟
هل من رجعة للحق ؟
هل أنت راض عن تصرفاتك مع والديك ؟
هل تجد في حياتك تعباً وشقاءً وضيقا ؟
عُد وبر والديك وأحسن لهما ، فسوف تجد أثر برك في حياتك سريعاً .. سوف تجد السعادة وراحة البال والاستقرار النفسي وصلاح الأبناء وبركة في المال والوقت .. عد قبل أن تقفد أحدهما فلا ينفعك ندم ولا بكاء .
وقفة :
ربما يتحملان الأب والأم الجزء الأكبر في عقوق الأبناء لهم ..
كيف ذلك ؟
تعال معي نقف على أسباب العقوق والتي تتمثل في الاختيار والتربية وحسن التعامل :
أولاً : اختيار الزوجة … من الواجب عليك أن تبحث عن منبت طيب ومتميز للأبناء ، فلا تختار إلا زوجة من بيت معروف بالبر والكرم وحسن الخلق والدين .
ثانياً : سلوك الوالد مع الأبناء .. أسلوب الوالد مع أبنائه في كلامه ونصحه من الواجب أن يكون مهذباً راقياً يختار أجمل الكلمات وألطفها والابتعاد عن المقارنة بالآخرين لأن في هذا تقليل من قيمة الابن أمام الأخرين وخاصة من هم في عمره .
ثالثاً : غياب القدوة …. الأب والأم قدوتان للأبناء فإن حصل منهما خللاً في تصرفاتهما انعكس ذلك على الأبناء .
رابعاً : قسوة الأب مع الابن في التربية …. بعض الأباء – هداهم الله – يرى بأن التربية بالضرب والشتم والتحقير والقسوة وللأسف هذه النماذج موجودة في مجتمعنا ، وتجده دائماً يردد هذا الولد ( غير مربى أو قليل تربية ) أنت هنا تسيء لنفسك أولاً ثم لابنك ..
ونسألك أنت أيها الوالد .. ماذا قدمت لابنك حتى يكون لك كما تحب ؟
خامساً : عقوق الوالد أو الأم لوالديهما فيما مضى … إن رأيت إبنك عاقاً فهذا تسديد دين فلا تغضب ولا تزعل فماضيك مع والديك يعود لك من أبنائك .
سادساً : عدم تطبيق تعاليم الدين في حياة الأسرة … للأسف في هذا الزمن القليل جداً من يتعامل ويعامل أبناءه حسب التوجيهات الربانبة والنبوية , فالأسر اشتغلت بالماديات ومتطلبات الحياة فأصبح التعامل بينهم سطحياً لا يرتقي للنهج الإسلامي فالحرية أصبحت طاغية على التصرفات ’ حتى أنك ترى وتسمع بعض التصرفات بين الأب وإبنه فتتعجب ,
سابعاً : إهمال تربية الأبناء وترك التربية للشارع والأصحاب والقنوات ومواقع التواصل الاجتماعي … هذا حاضرنا اليوم نعيشه بكل آلامه ومره , لقد عجز المجتمع عن كبح جماح الأبناء في هذا التوجه الخطير الذي بسببه نجد كثيراً من الشباب فقد هويته الإسلامية والعربية , فأصبح دمية لكل جديد وللأسف لا يأخذون إلا سيئه .
فمن الواجب على الوالدين أن يحرصا أشد الحرص على متابعة الأبناء في هذه الزاوية وهي الأخطر على أولادنا .
من هنا خرج لنا جيلاً عاقاً لوالديه في أمور عدة – وعلى سبيل المثال لا الحصر – : تجد الشاب حريصاً على تلبية طلبات شلة الأنس الخاصة به بكل جدية ونشاط وقبول فلا يعترض ولا يمل ولا يظهر أي تضجر … والعكس صحيح تماماً حين يطلب أحد الوالدين من الإبن حاجة .
وقفة مع حديث نبوي :
( رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه. قيل: من يا رسول الله ؟
قال: من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما، ثم لم يدخل الجنة )
رسالة للأب : ولماذا نقول الأب ..
لأنه هو القائد هو المسؤول هو الولي هو صاحب القرار ..
فأول قرار له .. اختيار الزوجة الصالحة .. فبيئة الزوجة مهمة جداً لصلاح الأبناء .. بعد اختيار الزوجة يأتي الرزق الحلال ،،
فلا يطعمهم إلا رزقاً حلالاً ..
التربية وأسلوبها .. التربية على نهج النبوة .. تدريب وتعليم ومصاحبة .. فالسب والشتم والتحقير وغيرها للأبناء مآله عقوق
كذلك تفضيل بعض الأبناء يزرع الحقد والكره عند الآخرين من الأبناء وربما تصل للانتقام من الأب والابن المقرب ..
العطاءات والهبات المالية إذا كانت تفرق بين الأبناء هذه أيضاً مدعاة للعقوق ..
رسالة للأبناء :
احذروا العقوق فوالله عقابه شديد ويعجله الله لك في الدنيا وعذاب الآخرة أشد .
رسالة للوالدين : لا تدعو على ابنك فدعاء الوالدين مستجاب .
وقفة :
تجد في بعض الأسر جميع مقومات الصلاح والبر حاضرة فيها ومع هذا يخرج من بينهم ابناً عاقاً , نقول هذا قدر الله فلا اعتراض , بعد الأخذ بجميع الأسباب , فابن نوح عليه السلام عصى أباه ورفض الاستماع لقوله فهلك .
وأخيراً أيها الأبناء هيا بنا نتعرف على نتائج عقوق الوالدين :
لعقوق الوالدين أشد أنواع العذاب في الدنيا وفي الآخرة ،
وجزاء من يقوم بها في الدنيا ألا يقبل له عملاً ولا يبارك الله له في رزقه بل وتلعنه الملائكة في كل وقت وحين، كما لا يرفع له دعاء ولا تقبل منه شهادة ، ويتمثل جزاء عقوق الوالدين في الآخرة، لا ينظر الله لعاق يوم القيامة كما يؤخر الله دخوله للجنة ويعذبه أشد العذاب في قبره.
فبعض الأبناء يجتهد في عباداته وهو عاق فنقول له جميع أعمالك موقوفة حتى تبر بوالديك ..
قال محمد بن المنكدر :
إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده…أصلِحوا حالكم يُصلح الله ذُريتكم.
حميد الشابحي
مقالات سابقة للكاتب