الفروق الفردية في الأفضلية الشاعرية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد :
دونك أخي القارئ مقالًا أدبيًا من وجهة نظرٍ خاصة ، وهو بمثابة محطة انطلاق لمن هم أقدر وأجدر مني في تبسيطه وطرحه لتلتقفه اهتمامات المستفيدين وتستوعبه مستويات المثقفين.
وفقني الله عز وجل للقراءة والتطلُّع في مجالات الموروث العربي بذائقة ذات شراهة لكل جديد في الشعر بنوعيه فصيح ونبطي .
وقدّر الله سبحانه وتعالى أن يرزقني عشق النقد الأدبي والتعايش مع أجواء القصائد المؤثرة من شعر الشعراء كما منحني الله عز وجل موهبة مكتسبة في بعض المجالات وفطرية في أخرى وهي ملكة الذوق والتمييز بين النصوص الشعرية.
لذلك أضع أساسيات ومبادئ تذكر الشعراء المبدعين وتفيد المبتدئين .
بدون أن أتطرق لمواضيع كُثرى في الساحة من كتب ومقالات من أهمية الثقافة والبيئة وما إلى ذلك وإنما لملاحظاتي فقط من خلال مسابقات الشعر والشعراء بغض النظر عن التحيزات والعرقيات؛ ولأن الشعر كالمرآة التي تعكس صورة الشاعر من منظور القارئ إن كملت كملت سمعته وإلا فلا، فالشاعر المهتم مثل الأب المربي المثالي في التربية لايرضى أن تخرج بنت فكره بزي رث في أعياد الأدب وغيرها في أبها حلة وأجمل زي لذلك أضعها في نقاط موجزة ومختصرة للتذكير، وهي كما يلي:

1 – الاسم: بما أن القصيدة هي بنت فكر الشاعر فمن واجبه تجاهها أن يختار لها اسمًا ومن واجبه عليها حُسن تسميتها، وهو كعنوان الكتاب، فكلما كان الاسم أفضل ينسحر له الفضول.

2 – المطلع: المطلع مهم لمن تهمه قصيدته وشعره بشكل عام؛ لأن شعر الشاعر بمثابة متجر لمن أراد إبرازه، والمطلع كلافتة المحل، كلما كان المطلع أَخّاذًا جذب الجمهور.

3- التقديم لفكرة القصيدة الأساسية: فمثلًا غرض الرثاء بغض النظر عن مؤثراته ومهيجات القريحة ولكن لما بعد سخاء القريحة أخص، فمن الحماقة الدخول في صلب الموضوع ولكن من الجمال التمهيد وتهيئة السامع أو القارئ لحدث عظيم يثير فضوله للمعرفة ثم من بعد ذلك يذكر الحدث في النظم .

4 – غرابة القافية: فليس من المرضي لأي شاعر أن يختار قافية كثرت في تداولها بين الشعراء ولا يعرف من خلالها المبدعين من المبتدئين، كشعب الصين بين الشعوب، كالهاء الممدودة مثلًا، ولكن على الشاعر المهتم المربي لطفلته أن يتأملها من جميع النواحي بطرح أسئلة مثلًا:
ماهي القافية القليل استخدامها؟ ماهي أغربها؟ وهل هناك قوافٍ لم تستخدم؟

وللاختصار أضرب أمثلة في بيتين من الشعر وأترك الحكم لك لتحتفظ بالإجابة في قرارة نفسك:

الأول: بشكل نقاط بدون أي بيت تلافيًا لسلبيات الفهم ولعدم وجود قافيه في شعري مما ذكرته عاليًا:

…………….الشطر الاول
  الشطر الثاني……………………باديها

وتأمل قافية هذا الشاعر الذي يتوجّد على إبله:

وا قلبي اللي ينْزعنّه خطاطيف
               عيوني تكازا ليلهن يسْهَرَنْيا

من عقب ما مبداي روس المشاريف
           إخطاي عن مشرافهن قَصَّرَنْيا

بقافيه غربية جدًا إن لم تكن وحيدة وهي الراء المفتوحة والنون السكنه والياء الممدودة بألف.

5- تناسق قافية صدر البيت مع قافية العجز: أحيانًا تقرأ قصيدة، كأنك تتأثر بمطب صناعي أثناء القيادة وتنتهي بخط مغلق يجبرك على العودة لنقطة البداية؛ فتقرأ بسلاسة الصدر وتتجاوز قافية الصدر ولكن عندما تبلغ نهاية العجز تجد القافية تثير انتباهك لأمرٍ معين مررت به في طريقك أثناء قيادة القراءة
وتجد تناقضًا بين القافيتين في العجز والصدر.

ولكن للتوضيح في حسن ذلك أضرب مثالًا من قصيدة مشهورة جدًا سبق أن تناولتها في مقال من حيث الوقع الموسيقي وسبب اختيار القافيتين وتخصيص حروف المد الثلاثة، وهي قصيدة الشاعر ناصر الفراعنة:

ناقتي ياناقتي لا رباع ولا سد(يس)
وصليني لابتي من ورا هاك الطع(وس)

تناسق وتوافق بوقع موسيقي واحد يتناسب مع بعضه البعض.

6- تسلسل الأفكار: هناك قصائد لو حذفت بيتًا منها تجد أن القصيدة غير مفهومة من شدة التسلسل والبعض لو حذفت بيتًا تحس بشيء من نقص في الأفكار لا تعلمه لكن الحاسة السادسة تطلق أشعارها لك، وهناك قصائد مهما قمت بتبديل الترتيب في الأبيات تجدها لم تتغير فكرة القصيدة بل تبقى كما هي حتى بجعل الصدور في مكان العجز والعكس كذلك، وكأقرب مثال هذة الهجينية المشهورة (فن الكسرة):

لا بد يوم الفراق يصير
مهما الزمن طال بأصحابه

يجي بعد الوفا تقصير
في يوم ما نحسب حسابه

لو جعلت البيت الأول ثانيًا والثاني هو الأول تجد المعنى لم يختلف، أيضا لو تجعل العجز صدرًا والصدر عجزًا كذلك، مثل التصريفات الستة للفعل الثلاثي تتوصل لمعنى واحد.

7- التشبية والوصف والفكرة العامة: لأنها تتشابة بالدلالة من حيث الغرابة، ولأن كل منها يشملها قاعدتي النقدية التي أصدر من خلالها الحكم على الأفضلية لذوقي الخاص بغض النظر عن الفوز المعلن وهي قاعدة “خالف تُعرف!”، فكثيرًا في الغزل مثلًا يشبِّه الخد بالورد والعيون بعيون الغزال  وما إلى ذلك
فمن الجمال أن تذهل المتلقي بغرابة التشبية وكثيرًا ما وصف الجوف بالبراكين، ولكن أضرب لكم مثالًا توضيحيًا يختصر الموضوع بأبيات تفرض نفسها كما يلي:

نماذج من اختراعات المعاني:

– زهير بن أبي سلمى:

تراهُ، إذا ما جئتهُ، متهللاً

           كأنكَ تعطيهِ الذي، أنتَ سائلهْ

– أبو نواس:

إذا نحنُ أثْـنينا علَيـكَ بصـالـحٍ
 فأنْتَ كما نُثني وفوْقَ الذي نُثْني

وإنْ جرَتِ الألفاظُ منّا بمِدْحَة ٍ
لغيرِكَ إنْساناً، فأنتَ الذي نَعني


ليت صوتك ينشرب وأقول صبه
لين ما تروى عروقي من حنانه

من كثر ماتوه في صوتك وأحبه
أحس إن الحكي مخلوقٍ عشانه

8- وأخيرًا وليس آخرًا: خاتمة القصيدة وهي آخر بيت فيها فكلما كان مطلعًا بحد ذاته كانت القصيدة أفضل، وكأقرب مثال:
أبو تمام في المرثية المشهورة لمحمد الطوسي، وهي مثال شامل لكل ما ذكرته في النقاط السابقة  والتي مطلعها:

كذا فليجلّ الخطبُ وليفدحِ الأمر
         فليس لعينٍ لم يفض ماؤها عذرُ

فتأمل الخاتمة التي تكاد أن تنطق عن نفسها حيث يقول:

عليك سلام الله وقْفًَت فإنني
    رأيت الكريم الحر ليس له عُمْرُ

هذا والله أعلم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين.

الشاعر ماجد الصبحي ( أبو عبدالملك )

مقالات سابقة للكاتب

4 تعليق على “الفروق الفردية في الأفضلية الشاعرية

وضاح

الاستاذ و الاديب والشاعر ماجد الصبحي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كل عام وانت بخير استاذنا واديبنا الفاضل انا لست شاعر ولا املك موهبه الشعر ولا الكتابه ولاكن متذوق وعاشق لجمال الشعر وعذوبة الكلمه التى تبعث الامل في النفس و تلملم شتات الروح لتخفف من اوجاعها وتنعشها بجمال عطرها وعبيرها.
استاذنا لقد فاق جمال وابداع ما كتبت وبينت ووضحت قدرتنا على التعليق واتمنى ان تعم الفائده لجميع شعرائنا من هذا المقال

ابواحمد

الشعر كله جميل ماعدا منه الذي يتخطا الثوابت ولكن الشعر الذي تكتمل الاركان فيه هو ذاك الذي يسافر بك هناك حيث تبنى القصيدة وتشارك بانيها نفس الشعور
خاصة عندما يستخدم الشاعر في البناء ادوات ومفردات
حديثة جميلة تدخل الى قلبك دون استئذان

عبدالعزيز بن مبروك الصحفي

تحليل رائع ومفيد بارك الله فيك.
البيت الأخير من قصيدة أبو تمام صحته كما يلي
عليك سَلامُ اللهِ وَقْفاً فإنَّني رَأيتُ الكريمَ الحُرَّ ليسَ له عُمْرُ
أعرف أنه خطأ مطبعي فلا يفوت على مثلك ذلك.

متابع..

تطرقات جميلة أبو عبدالملك ولكن..لدي بعض الملاحظات على ماكتبت..
1- أولا : ليس لصدر البيت قافية، إنما القافية هي نهاية الشطر الثاني..
2- أكثر ما يميز جمال القصائد هي الصور الجمالية التي يوردها الشعراء في قصائدهم..ولك في قصائد العشماوي خير مثال..حيث انتقد بسبب جفاف قصائده من الصور الجماليه..
أما بالنسبة لغرابة القافية فلم تكن القافية هي الهم الأول الذي يشغلهم عن بناء القصائد بل كانت قوافيهم قواف عادية ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *