جمعني حديث شجي شيق مع أخي وصديقي المهندس الأستاذ عابد الانصاري وهو في الحقيقة رجل صاحب رأي وحكمة فطار الحديث عبر الأثير ووقع فإذا بنا نخوض في تقلبات الأيام وأن الدنيا لا تستقر على حال أبدًا فمرة تكون مع قوم تعطيهم كل مباهجها وزخارفها حتى إذا اطمئنوا لها وبها فائجتهم بما لم يكن في حسابهم وتحولت إلى غيرهم وهكذا دواليك ترفع أقوامًا وتضع آخرين.
فتذكرت حينها أنني عندما كنت شابًا فتيًا عملت في خدمة الحجيج بمكة ولقد مر علي أصناف من البشر فرأيت بعض الجنسيات لديها من الغنى بحيث يلبس الواحد منهم ملابس تقدر بألاف الريالات ويتمتعون بالثراء لدرجة أنهم لم يحسبوا حسابًا لتقلبات الدهر ونسوا من فرط النعيم تحولات الأيام وظنوا أن مظاهر الغنى واليسار ستبقى معهم إلا أن يرث الله الأرض ومن عليها وهذا من خدع الشيطان لو فقه الناس ذلك ومرت الأيام فإذا بها تقلب لهم ظهر المجن وتظهر لهم الوجه الحقيقي لها وتترجم لهم بالحرف معنى كلمة ( دنيا )ترجمة حسية مادية فعضهم الفقر بنابه وجثم عليهم بكلكله ومشى عليهم الدهر بوطأته حتى أرهقهم وجعلهم عبرة للناس فأصبحوا بعد أن كانوا يعطون الصدقات والهبات أصبحوا يتوسلون إلى من كانوا يعولونهم علهم يجدون منهم التفاتة رحمة فغدوا عالة على غيرهم وانقلب الحال إلى النقيض تمامًا فأصبح العزيز ذليلًا والذليل عزيزًا إنها سنة الله في الكون فالدنيا لا يمكن أن تدوم على حال ولو دامت لما سميت دنيا.
فأدركت حينها أن الإنسان يجب عليه أن لا يغتر بما لديه من مال وجاه مهما بلغ فالأيام دول فلا يغر بها إلا جاهل قد جانبه التوفيق والصواب وتذكرت قول الشاعر :
لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ
فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ
هي الأيامُ كما شاهدتها دُولٌ
مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ
وأظن أن الكل يوافقني هذا الرأي ومن أراد دليلًا ولو أننا لسنا بحاجة إلى الدليل فالذي لا يحسب لتقلبات الايام حسابًا ويكون على اهبة الاستعداد لمفاجئات الدهر عليه أن يتحمل عواقب الأمور ، ونظرة فاحصة بعقل راجح وقلب واع إلى ما حولنا من بلدان ودول كانت ترفل في العز، فأصبح حالها يرثى لها وكم تحدثنا عن هذا الأمر ولأنه من الأهمية بمكان فسوف نتحدث مرارًا وتكرارًا لأن الله هو المطلع على خفايا النفس البشرية قد أمرنا أن نتواصى بالصبر والحق وهذا هو واجب كل مسلم تجاه أخيه المسلم والمؤمن مرآة أخيه أن الإغترار بالدنيا والاطمئنان بها يعتبر من سوء التدبير.
فالإنسان الفطن هو من يعتبر من غيره قبل أن يكون هو عبرة لغيره وأما الذي يعيش في القصور العاجية والأحلام الوردية والركون إلى حياة التنعم والدعة وفي بلهنية ومن يلهيه الأمل ويتلاعب به الشيطان ويمد له حبال الآمال ويضحك ملأ فيه فأخشى أن يكون من الغافلين أننا ننادي دائما ونحذر من الانغماس في النعم والتلاعب بها إلى حد البطر والتبذير والاسراف بل والسخرية في بعض الأحيان و ببعض المجتمعات بنعم الله ويجب أن لا يغتر الإنسان بحلم الله عليه ويقول في نفسه انا اعبد الله واتصدق واصلي وآتي بواجباتي تجاه ربي والى آخر تلك الاماني والأحلام التي يزخرفها الشيطان ليخدع بها البعض فلا يدري الإنسان هل قبل الله عمله ام رده عليه….
أقول أن عمر بن الخطاب يقول لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما حين أرسله لفتح بلاد فارس ( ياسعد لا يغرنك أن قيل خال رسول الله وصاحب رسول الله فإن الله ليس بينه وبين أحد نسبا الا طاعته) فالحذر الحذر من التمادي فقد قال رسول الله صلى عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها حين (دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى كسرة ملقاة فأخذها فمسحها ثم أكلها وقال: يا عائشة اكرمي كريمك فإنها ما نفرت عن قوم فعادت إليهم).رواه ابن ماجه
فليضع كل منا هذا الحديث من الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أمام عينيه لكي لا يعصرنا الندم ولن يفيد إذا وقع المحظور وحتى لا نصير عبرة للآخرين .
إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب