– الأستاذ فيصل القريقري رئيس اللجنة المنظمة لحفل الزواج الجماعي في قبيلة القراقرة .. نبارك لكم نجاح حفل الزواج الجماعي الخامس ونود أن تلقي لنا الضوء على فكرة المشروع .. كيف بدأت وكيف تبلورت حتى أصبحت واقعاً ملموساً؟
فكرة الزواج الجماعي نشأت كنتيجة حتمية لواقع الحال المعاصر من المبالغة في تكاليف الزواجات وكثرتها الأمر الذي أثقل كواهل أبنائنا الشباب الراغبين في الزواج ودفعهم إلى تحمل الكثير من الديون والقروض لمجرد أن يقيم حفلة لا تتجاوز الثلاث ساعات وبعد مغادرة الضيوف لمقر الحفل يجد نفسه محاطاً بكم هائل من الديون وربما يستمر في هذا السداد والاستعباد إلى ما يقارب الأربع سنوات وما يواكب ذلك من ضيق ذات اليد والتقتير على نفسه وعلى زوجته وأبنائه لسداد ديون مضت عليها كل هذه الفترة الزمنية، وقد أقسم لي كثير من الشباب أن أبناءهم دخلوا المدارس وهم ما زالوا يسددون الديون المترتبة عليهم من زواجاتهم، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما معناه: ( أبرك الزواج أقله مؤونة)،
بالإضافة إلى الأعباء الكبيرة التي يعاني منها باقي أفراد القبيلة من كثرة وتكرار حفلات الزواج وما فيها من الهدر لأوقاتهم في التنقل بين قصور الافراح وما يواكب ذلك من تكاليف مادية من خلال الرفد والاستعداد لكل زواج بما يليق به من الملابس له ولزوجته وأبنائه وبناته، والناس تتفاوت قدراتهم المالية وقد قال رسول صلى الله عليه وسلم: (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ).
ولهذه الأسباب نشأت الفكرة وطرحت في اجتماع مبارك مع مجموعة من الشباب الواعي الذين اقتنعوا بها وحملوا لواءها بكل اقتدار وفي آخر الاجتماع كانت التوصيات على أن يتم نقل الفكرة وطرحها على باقي أفراد القبيلة، وكل واحد يكون مسؤولًا عن أسرته والمقربين منه، وبعد أن ذاع أمرها وانتشر خبرها في كل أطياف المجتمع وبدأ الجدل بين مصدق ومكذب في إمكانية تطبيقها، وضجت بها المجالس الخاصة والعامة وكثرت التساؤلات والاستفسارات، واتضح لنا المؤيد للفكرة والمتحفظ عليها، وكان لكل طرف أسبابه ومبرراته، وأخذنا بمبدأ احترام وجهات النظر للجميع، والعاقل لا يلوم الناس في عدم قناعتهم بكل جديد لأن الإنسان بطبيعته عدو ما يجهل.
فبدأنا بالقيام بزيارات ميدانية لهولاء المتحفظين واستمعنا إلى وجهات نظرهم وبددنا مخاوفهم واقتنع منهم الكثير وبقي ما نسبته ١٠٪ على قرارهم بعدم المشاركة وتمت الدعوة لعقد الاجتماع الأول للقبلاء والمؤثرين الذين لهم ثقلهم في القبيلة من المؤيدين للمشروع فقط وتم الاتفاق على البنود الأساسية للمشروع من خلال التصويت على كل بنوده حتى اتضحت معالمه وقمنا بوضع لائحته التنفيذية وتأسيس اللجان واختيار أعضائها وتحديد مهام وواجبات كل لجنة.
– كيف كان استقبال الأهالي للفكرة؟ وهل كان لها معارضين؟
الاستقبال للفكرة وطرحها كان جيداً إلى حد ما ولكن كان مشوباً بالحذر من النتائج وكأي مجتمع آخر طبيعي تتفاوت فيه ردات الفعل من شخص إلى آخر من حيث إمكانية التطبيق على أرض الواقع والتنبؤ بالمشكلات ووضع الحلول لها؛ وهذه الإشكالية التي واجهتنا في البداية.
ورداً على سؤالك عن وجود المعارضة من عدمه فالزواج الجماعي أسهل مما يتصور الجميع فليس لأحد كائناً من كان الحق في المعارضة والاعتراض دون تنفيذه من قبل المؤيدين له ولو بعدد محدود في البداية وليس لمن أراد الاعتراض إلا الاحتفاظ بحقه في الامتناع وعدم المشاركة.
وفي قبيلة القراقره وكأي قبيلة أخرى أو مجتمع آخر تختلف فيه وجهات النظر وجدنا من احتفظ بحقه في عدم المشاركة ولا بد أن يكون لكل منهم أسبابه ومبرراته وكانت محل تقديرنا وتقبلناها بصدر رحب وبشكل إيجابي، وكان في الأمر متسعًا وأريحية ، ووصل الأمر إلى أن وجدنا الأخوين بين مؤيد ومحتفظ برأيه وقراره وما أن تم عقد الاجتماع الأول للمؤيدين وتم تحديد النظام الأساسي له ولائحته التنفيذية وتحديد موعد الزواج الجماعي الأول وإذا بالجميع يعلن تأييده وانضمامه ودعمه للمشروع مما يدل بأن المواقف تجمع الرجال ولله الحمد والشكر.
– من هي الجهة الرسمية القائمة على المشروع؟ أم هو قائم على جهود ذاتية من الأهالي فقط؟
الفكرة لم تعرض على أي جهة رسمية ناهيك عن أن تتبناها فهي نتاج وتنفيذ أبناء القبيلة ورجالها المخلصين وفيهم الخير والبركة ولله الحمد.
– هل تذكر لنا الهيكل التنظيمي واللجان العاملة ضمن لجنة الزواج الجماعي؟
رأس الهرم وهم الشيوخ والقبلاء وهم أساس المشروع وأصحاب القرار الأول والأخير، يليهم اللجنة الاستشارية المكونة من أربعة اشخاص لهم ثقلهم ومكانتهم في القبيلة، تليهم اللجان والمنسق لعمل اللجان.
– كم عدد العرسان الذين استفادوا من الزواج الجماعي منذ تأسيسه؟
حوالي 45 شاباً -إن لم تخني الذاكرة-.
– من أين يتم دعم وتوفير الموارد المالية للمشروع؟
الموارد المالية من مصدرين: الأول من أبناء القبيلة حيث تم الاتفاق على أن يدفع كل فراق في القبيلة مبلغ ٥٠٠ ريال في السنة، والمصدر الثاني هم العرسان أنفسهم حيث يتوجب على كل عريس دفع مبلغ ١٠ آلاف ريال.
– متى يبدأ العمل للتحضير لحفل الزواج الجماعي السنوي وما هي الخطوات التي يمر بها؟
يبدأ العمل والتحضير قبل ثلاثة أشهر من كل زواج
والخطوات تبدأ بجمع الفرقيات ويقوم بها القبلاء وإيداعها في حساب مخصص لهذا الغرض ثم تقوم لجنة المشتريات بتحديد الاحتياجات للزواج وإعداد أوامر الصرف لها وإحالتها إلى أمين الصندوق لتحرير شيكات بها وتسليمها إلى مستحقيها وفي يوم الزواج تقوم اللجان بمهامها المحددة كل فيما يخصه على ضوء ما جاء في اللائحة التنفيذية للمشروع وهو يوم استثنائي لجميع شيوخ القبيلة ورجالها وتمتزج الجهود والافكار في عمل جماعي في أبهى صوره لأن الجميع يعتبرون أنفسهم ( معازيب ) ويستشعرون عظم المسؤولية عليهم نحو ضيوفهم .
– من المعلوم أن الحفل يقام مرة واحدة في العام فماذا عمن لا يكون جاهزًا من العرسان خلال هذه الفترة هل ينتظر إلى العام القادم؟
الجميع يعلم أن حفل الزواج الجماعي يقام مرة واحدة في العام ويعلمون وقته وزمانه؛ وبما أن الزواج الجماعي ليس فيه تكلفة مادية عالية للزواج والتي تعتبر شبه معدومة وباقي العقبات تكاد تنحصر في الظروف الدراسية للطرفين وهو أمر معلوم مسبقاً لذا تجد الطرفين متفقين على موعد الزواج ويستطيع الشباب الحجز وتسجيل أسماءهم في أي وقت حتى في السنوات القادمة وعندنا أسماء مسجلة للزواج الجماعي السادس قبل حتى بداية النسخة الخامسة وذلك لقلة العوائق المالية -ولله الحمد- التي كانت تقف حجر عثرة في طريق الشباب وأولياء أمورهم.
– هل الحفل للرجال والنساء في ليلة واحدة أم هو للرجال فقط ؟
نعم .. حفل الزواج للرجال وللنساء في ليلة واحدة.
– في حال أن أم عروس رغبت في إقامة حفل آخر مستقل لابنتها هل هذا مسموح؟
نعم مسموح وحتى للرجال من أراد أن يزوج ابنه خارج المشروع فله ذلك ولكنهم قلة، ففي كل سنة ربما تجد واحدًا أو اثنين ليس أكثر ولله الحمد.
– ألا يتعارض هذا مع هدف المشروع في تقليل النفقات على أهل العرس وعلى الحاضرات؟
في نظري أنه لا يتعارض مع أهداف المشروع لأن المرونة وتحقيق رغبات الناس من أوجب الواجبات على كل من يتصدر لأي عمل جماعي نظراً لاختلاف الأفكار والرؤى والظروف المادية والأسرية والاجتماعية، ومن خلال التجربة تبين لنا أن المشروع له طاقة استيعابية محددة عند النساء خاصة في زفات العرائس بحيث يصعب على اللجنة النسائية أن تزف أكثر من ٦ أو ٧ عرائس في ليلة واحدة وإلا اثّر ذلك على مجريات الحفل النسائي، بالإضافة إلى قلة غرف التصوير في قاعات الأفراح، بعكس الوضع عند الرجال فمهما زاد العدد لا يكلف علينا أكثر من تقدير هذه الزيادة والاستعداد لها في القِرى، أما من حيث النفقات فالوعي العام تغير لدى الناس وأصبح أفضل من السابق فأكثر هذه الحفلات للنساء تقام الآن في قاعات صغيرة مما يجعل التكاليف وعدد المعازيم أقل.
– هل لنا أن نعرف كم المبلغ الذي يتحمله كل عريس مشارك في حفل الزواج الجماعي؟
الراغب في الزواج يتحمل ١٠ آلاف ريال فقط وإذا كانا أخوين فلا يكلفان بأكثر من هذا المبلغ.
– هل يقتصر دور اللجنة على تجهيز الحفل أم أن هناك مساعدات في الأثاث وتجهيز عش الزوجية للعرسان؟ وماهي الهدايا التي تقدم لهم؟ نرجو توضيح ذلك.
دور اللجنة يقتصر فقط على ترتيبات إقامة حفل الزواج والدعاء لهم بالتوفيق.
– كيف هو دور التجار ورجال الأعمال من أبناء القبيلة في دعم هذا المشروع؟
فيهم الخير والبركة ولله الحمد فهم نعم الاخوان ونعم السند.
– هل هناك شروطاً للاشتراك في الزواج الجماعي من حيث السن أو التعدد وعدمه؟
لا يوجد أي شروط أو قيود والأمر متاحاً للجميع.
– ماذا عن موضوع المهور؟ هل يوجد لديكم أي تحديد أو ضوابط معينة للحد من المغالاة فيها؟
بفضل الله أن غلاء المهور غير موجود عندنا، فنحن نسمع به ولا نراه، والمهر في عموم القبيلة ولله الحمد ليس في قائمة الاهتمامات ولا يزيد عن ٣٠ إلى ٣٥ وهذا معقول إلى حد ما، وقد حضرت عقود نكاح كان المهر فيها ١٥ ألف ريال فقط وذلك حسب طلب ولي أمر الفتاة، والمرأة ليست سلعة للبيع ليتم المغالاة في ثمنها وهذا دليل وعي المجتمع وثقافته.
– ما هو تقييمكم للتجربة بعد مرور خمسة أعوام عليها؟
التجربة ناجحة بكل المقاييس بل أصبحت ضرورة من ضروريات الحياة في ظل الوعي السائد في المجتمعات ومعرفتهم بمساوئ الإسراف والتبذير وعواقبه الوخيمة وانعكاساته على الفرد والمجتمع بالإضافة إلى توفير الوقت والجهد.
– ماذا تود أن تقول في نهاية هذا اللقاء؟
أحمد الله العظيم رب العرش الكريم الذي وفقنا لنجاح الزواج الجماعي في القبيلة، وأسأله تعالي أن يديم علينا هذه النعمة وهذا الفضل الكبير، وأتمنى أن أراه في باقي القبائل لسهولة الأمر وتطبيقه متى ما تم الأخذ بالأسباب واجتناب الصعاب، وأنا على يقين أن 70٪ من أفراد أي قبيلة يؤيدون ويتمنون أن يرونه واقعاً ملموساً في قبائلهم ولكن العائق الوحيد هو التنافس على القيادة واقتسام الحقائب الوزارية لمثل هذا المشروع، وهذا ما أسهل زواله إذا وجدت النية الصادقه لدى المتصدرين لهذا الأمر.
كما لا يفوتني أن أشكرك أخي أحمد الصحفي وأشكر صحيفة غران الإلكترونية على حرصكم على كل ما من شأنه لمّ الصف ووحدة الكلمة لدى الجميع والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ونحن بدورنا نشكر لكم التكرم بإجراء هذا اللقاء واستعراض تجربتكم الرائدة في هذا المجال، راجين لكم دوام التوفيق والسداد.