الصلاة أمرها عظيم فهي الصلة بين العبد وربه لذلك من آداب الحضور إلى المساجد للصلاة أن يترك الإنسان كل دنياه خارج المسجد استعدادًا للوقوف بين يدي خالقه مجردًا من كل عوالق الدنيا، ولقد ذكر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله كلامًا عجيبًا عن أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال الصحابي الجليل ،(لقد تركنا الدنيا مع نعالنا) أي بمعنى كما أننا تركنا نعالنا خارج المسجد فقد تركنا الدنيا هناك ثم استطرد الشيخ قائلا فقال(وزد يا اخي اقدارنا) الله أكبر قوم عرفوا الله فزادهم الله حكمة ونورا في بصائرهم.
إذ ليس من الأدب مع رب العباد أن يكون الوقت القليل الذي يقضيه المسلم في مناجاة ربه أن يخلط أمور الدنيا ويتكلم في البيع والشراء وأمور أخرى يعلم الله تعالى أننا نرى هذا الأمر وقد استفحل فتجد الناس يخوضون في أمور الدنيا وهم في المساجد التي كان من المفترض أن تكون لذكر الله فقط …ولقد توقفت كثيرًا أتأمل قول الصحابي الآخر حين قال وزد يا اخي أقدارنا اي يترك الوزير والمدير وكل ذي سلطان مكانته في المجتمع خارجًا مع المسجد هناك ويقف بين يدي ربه مجردًا من اي امتيازات أو مكانة أو قدر يميزه عن أخيه المسلم الذي يقف بجانبه في الصف الم أقل لكم أن هذا الدين لو فهمناه وعرفناه حق المعرفة لارتاحت قلوبنا وأنفسنا ففي المسجد يقف السلطان بجوار مولاه والوزير بجانب عامل النظافة وقس على ذلك كل الوظائف العظيمة والحقيرة ومن لم يستطع أن يصل بنفسه إلى هذا المقام فليس لله حاجة في صلاته إذ ليس من الأدب مع الله أن تحدثك نفسك أنك أعلى قدرًا ومنزلة من هذا الذي يقف بجانبك مهما كانت مكانته فالأقدار والامتيازات والمراتب تكون خارج بيت الله اما هنا فالكل سواسية وقد يكون هذا الذي رأيت أنك أعلى منه منزلة واحتقرت رث ثيابه وتواضع مهنته بجانب مهنتك انت ومكانتك ربما يكون عند الله خير منك ومن ملئ الأرض امثالك من المتغطرسين المتكبرين فاحذر أن يتلاعب الشيطان بك فيرديك ويهلكك.
ولنتدبر قولنا عند دخولنا إلى الصلاة الله أكبر نعم لقد اعترفنا بأن الله اكبر من كل شيء أكبر منا وأكبر من أقدارنا وامتيازاتنا وأننا جردنا أنفسنا من كل شيء ووقفنا عبادًا لله وعبيدًا له هذا هو الاسلام الصافي الذي جاءنا من عند خالقنا.
ولقد سمعت قصة عجيبة بهذا الشأن حدثت في عهد رسول الله ومفادها أنه وقف أحد الأغنياء في الصف بجانب أحد الفقراء وكأن الغني اشمأزت نفسه من وقوفه بجانب الفقير فطوى الغني ثوبه عن الفقير عندها قال معلم الناس الخير صلى الله عليه وسلم للغني ( يا هذا اخشيت أن يعديك بفقره ام خشيت أن تعديه بغناك) الله أكبر انها مدرسة محمد وجامعة الاخلاق فعلًا كما وصفه ربه (وإنك لعلى خلق عظيم).
فهل أدرك المسلمون الحكم الكثيرة من الصلاة مع الجماعة إنها دروس نتعلم ونستفيد منها معنى العبودية الخالصة لله وحده نتعلم التواضع وخفض الجناح والأخوة الإسلامية وان ليس هناك فرق بين بني البشر الا بما فضل الله بعضهم على بعض وليعلم من تحدثه نفسه أن يتعالى على خلق الله أن الله حين أعطاه نعم قد حرم منها آخر ليس بالضرورة أن يكون هو عزيز على الله وغيره حقير ابدا إنما هي دنيا فيها التفاوت بين العباد في الرزق إلى أن تنقضي فيقف الكل بين يدي مالك الملك وملك الملوك في المحكمة الإلهية التي لا يظلم فيها أحد فلنتدبر هذا الأمر ونضعه نصب أعيننا أن اردنا سعادة الدارين نسأل الله أن يجمع قلوبنا على طاعته والسعي إلى رضاه وان ينير بصائرنا فنتقبل الحق ونرد الباطل .
إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب