من المعلوم أن كل دولة من دول العالم بشتى معتقداتها تقوم بإنشاء دار للمسنين ضمن منشآتها تأوي فيه كبار السن من الجنسين الذين ليس لهم عائل ولا راع يرعاهم بعدما بلغوا أرذل العمر وأصبحوا لا يستطيعون خدمة أنفسهم فلا بد من راع يرعاهم ويقضي لهم حوائجهم ويدبر لهم شؤونهم هذا من واجبات البشر نحو بعضهم بما وضع الله من الرحمة في قلوب الخلائق .
وهذه الدور تتحول الى دور للعقوق ومراتع للإثم إذا كان مرتادوها لهم أبناء أحياء عقلاء ميسوري الحال ومن أعجب العجب أن تجد في دور المسنين هذه رجالًا ونساءً لهم أبناء يعيشون في رغد من العيش هم وأبنائهم وزوجاتهم في قصورهم ومنازلهم الفارهة ينامون على الفرش الوثيرة يهدهدون أبنائهم في أسرتهم ويقبلونهم ويلبون طلبات زوجاتهم مهما كبرت هذه الطلبات في حين يستثقلون تلبية حاجة انسان قد بلغ من العمر ارذله بحيث لا يكلفهم الكثير سوى نظرة عطف ورحمة ورد بعض من جميل هؤلاء هم آبائهم و أمهاتهم يقبعون هناك في دار المسنين يتجرعون ألم عقوق الأبناء وتسيل دموعهم في الليل والنهار لما يرون من إنكار خطير للجميل من هؤلاء الأبناء وكل يوم يسترجعون شريط الذكريات ذلك الشريط المليء بالألم والحزن والحسرة والأسى الذي يجعل معه الحياة مؤلمة ويكون الموت اعز صديق حين يشاهدونه يمر أمام اعينهم يرون فيه عندما كان هؤلاء الأبناء صغارًا في أحضانهم يدللونهم ويلبون لهم كل رغباتهم وحوائجهم من غير أن يطلبوها راضين مفتبطين يملأهم الحب والعطف ثم يطلقون زفيرًا حارًا ملتهبا مصدره صدر كالمرجل يغلي أو كبركان خامد يأكل بعضه بعضا يوشك على الانفجار ولكن الرحمة التي تملأ قلوبهم على فلذات اكبادهم تمنع ذلك الانفجار لكي لا يصاب ذلك العاق بسوء.
ولقد تعجبت كثيرًا وتألمت جراء ما اسمع من قصص عن العقوق والقاء الآباء والأمهات في دار المسنين والعجزة من قبل أبناء جانبهم التوفيق وآثروا رضى زوجاتهم واصدقائهم وتجارتهم وعملهم على رضى ربهم في كسب بر الوالدين أهذا هو رد الجميل لأم عانت الأمرين حين حملها وآلام وضعها واب سهر الليالي لتوفير لقمة عيش هنية لابنائه ولو علم ذلك الجاحد أنه لو اعطي عمرا فوق عمره عشرات المرات وظل يخدم أبويه لما رد جزأ يسيرا مما قدماه له ذنك الابوين فكيف بمن يلقي بأمه أو أبيه في دار العجزة والمسنين وهو حي يرزق يروح ويغدو ضاحكا مبتهجا فأي قلب قد من صخر من هذه صفته ولقد روي في التاريخ أن رجلا جاء بأمه من بلاد بعيدة حاملا إياها فوق ظهره إلى مكة للحج وطاف بها وسعى ثم سأل الصحابي الجليل عبدالله ابن عمر هل وفيت حقها فقال له لم توفي طلقة من طلاقاتها حين ولدتك … الله اكبر اي حق للآباء والأمهات على الأبناء أن الإنسان ليشعر بالرعب حين يسمع عن حقوق الوالدين وهو يجاهد لنيل رضى الله برضاهما.
إن حقوق الوالدين عظيمة جدًا ولن يؤتها إلا من وفقه الله وكتب له الخير.
واخيرًا أقول أن أي ابن لم يسع بيته أباه أو أمه اخشى أن لا تسعه جنة الله التي عرضها السموات والأرض فليحذر كل ابن أو بنت من عواقب العقوق فإن ذنبه عظيم يطال الإنسان في دنياه قبل آخرته وسيكون جزاء وفاقا والجزاء من جنس العمل سوف يفعل بالعاق أبناءه ما فعل هو بوالديه إن خيرا فخير وان شرا فشر والله عادل ولا يظلم أحدا مثقال ذرة …..
ومن المفترض أن توضع عقوبة لمن يلقي بأبويه أحدهما أو كلاهما في دار العجزة والمسنين ولقد وضعت عقوبات كثيرة كعقوبة التحرش وخلافه فمن باب أولى أن يعاقب من يرتكب جريمة العقوق لكي تسلم المجتمعات من هذه الآفة ولكي تعم البركة ويكثر الخير وتتنزل رحمات الله على الناس ولكي نكون بحق أمة مسلمة ترعى حقوق الناس ومن أوجب الحقوق حقوق الوالدين ….
نسأل الله أن ينير بصائرنا ويبصرنا بعيوبنا وان يكتب لنا التوفيق في كل امورنا إنه جواد كريم .
إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب