إلامْ الشوقُ يُضنينـي حنينـا
وهـذا الوجـدُ كـمْ يبقى دفينـا
لأرضٍ في بياضِ اللَّـوزِ تزهـوْ
ويثـمـرُ طلعُـهـا عنـبـاً وتـيـنـا
تـمــرُ الــمــزنُ مـنـهــا بـاكـيــاتٍ
علـى ذكــرى الرَّعـيـلِ الأوليـنـا
فتـرسـلُ دمعَـهـا وبــلاً مغـيـثـا
وهـتَّـانــاً يـــزفُّ اليـاسـمـيـنـا
فيعلـوْ مــن رُبـاهـا كــلُّ سـحـرٍ
ومُـخْـضَــرٌّ يــســرُّ النـاظريـنـا
ويـعـبـقُ جـوُّهــا بعـبـيـرِ وردٍ
وأنسـامًـا تحـاكي الزيزفـونـا
مَنـازِلُـهـا أعـالــي الــشُّــمِّ دورٌ
شموخاً تكتسي حجراً وطينا
عليها مـن بقايـا الأمـسِ نقـشٌ
ولـونٌ مـــن تُراثِ الأقدميـنـا
سألـتُ الـدورَ عمَّـن حــلَّ فيـهـا
وكيْـفَ سـمـا أُوْلاكَ القاطنـونـا
أَجابـتْ : ذاكَ عهـدٌ قــد تـولَّـى
ودهـــرٌ كـــانَ فـتَّـانًــا ضـنـيـنـا
فعاشَ القومُ فـي ضنـكٍ وأنَّـى
لَـهُــمْ تَـبْـدو حـيــاةُ المترفيـنـا
وَقَدْ ظَلَوا إذا مـا العُـرْبُ نـادتْ
إلى فـضـلٍ تـراهم سابقـيـنـا
ألا فاسمعْ خطيبَ القومِ منهم
فيـخبـركَ الحقـيـقـةَ واليقـيـنـا
وإلا فَـانْـشِـدِ الـتـاريـخَ عـنـهـمْ
وَنَقِّـبْ فـي سُـطُـورِ الكاتبيـنـا
ألا يــاســائــلاً عـــنَّــــا فـــإنَّــــا
علـى شَظَـفٍ ملأنا الخافقينـا
أَمَــــا والــلّــهِ لا ضُــــرٌّ مـنـعـنــا
وكــــلُّ الْـمَـجْــدِ كــنَّــا بالـغـيـنـا
وقـدْ علِمـتْ بطـونُ العُـرْبِ أنَّــا
إذا مانـبـتـغـي شـأناً أتـيـنـا
وأنَّــا الشـاكـرونَ لـكــلِّ فـضــلٍ
وأنَّــا الصـابـرونَ إذا أُبْتلـيـنـا
وأنَّــــا الآخــــذونَ لــمــا أردنـــــا
وأنَّا الـتَّـاركــونَ لــمــا قـلـيـنـا
لنـا عـزمٌ يهـدُّ الصـخـرَ صلـبًـا
وصـبــرٌ قـــد تـعــذَّرَ أنْ يلـيـنـا
نُسـالِـمُ مَــنْ أَرادَ بـنــا سـلامــاً
وصُدُقٌ فـي اللقـاءِ إذا غُشينـا
ونَكظُمُ في مقـامِ الحِلْـمِ غيظًـا
ونردعُ مـن نـوى شـرَّا ضغينـا
إذا مــا أوقـــدوا لـلـحـربِ نـــارًا
فــلايـدرون أنَّـى يـتَّـقــونــا
ونغـشـى كـــلَّ سـابـقـةٍ لـفـخـرٍ
ونعزُفُ عن سِفافِ الجاهلينـا
ويلقى الضَّيـفُ منَّـا كـلَّ جُـودٍ
فننْحَرُ مِنْ مَواشِينا السمينـا
ونحفـظُ عهْدَنـا فـي كــلِّ حـيـنٍ
ونـكـرمُ مــن يجـاورُنـا ظعـيـنـا
ألا فاقـبـلْ إلـهـيَ مــنْ سَبَـقْـنـا
وأَنْـزِلْــهُــمْ مــقـــامَ المُـكـرمـيـنـا
وَهَبْهُـمْ يا كريـمَ الْجودِ حظاً
يُصيـبُ القومَ طُرًّا أجمعينا
وأَمّنْ في صعيدِ العرضِ روعًا
وأَوْرِثْــهُــمْ جِـنَـانَــكَ فـائـزيـنــا
وأسبغْ نعمةَ الحُسنى عليهـم
وزِدْهُــمْ مــن نعيـمِـك طيبيـنا
وألْحِقْـنـا بـهـمْ فـــي دارِ خُـلْــدٍ
عـلــى سُـــرَرٍ لـنـا متقابـليـنـا
ورِثنـا عنهمـو نُـبْـلَ السجـايـا
فَـأَنْـعِــمْ بـالـكــرامِ مـورِّثـيــنــا
طـرقـنــا للـمـعـالـي كــــلَّ فــــجٍ
وفــي كـــلٍّ سَـمـوْنـا مُبدعـيـنـا
سلكـنـا منهـجًـا للـديـنِ يَعْـلـو
عـلـى كَـيْـدِ الطُّـغـاةِ الظَّالميـنـا
أَصَبْنا مِنْ عُلومِ الشَّـرعِ حظَّـا
فمنَّـا الفاضلـون تـقـىً وديـنـا
أَضَاءَوا في طَريقِ الحقِ نـورًا
ومـافـتـئـوا هُــــداةً مُـهْـتـديـنـا
ومــنَّــا قــــادةٌ لـلـعْـلـمِ أثْـــــرَوا
بتـربـيـةٍ سُــلــوكَ الناشـئـيـنـا
وأفْنَـوا فـي بنـاءِ العقـلِ عُـمـرًا
وظـلَّـوا بالـعُـلا مُسْتمسكيـنـا
ومــدَّوا للحـيـاةِ الـيـومَ جـيــلاً
ذوي خــلــقٍ بُــنــاةً فـاعـلـيـنـا
وكـــم فـيـنـا عـقــولٍ راســيــاتٍ
فساحوا في البلادِ مُهندسينا
وفي نُظُمِ الحواسِبِ أيُّ سبـقٍ
لـنـا ولـهـا الـدُّهـاةُ مُشَغِّـلينـا
تُذَكِّرُنـي الطفولـةُ دارَ عيـسـى
وإذْ كــنَّــا صــغـــاراً لاعـبـيـنــا
إذا مـــا أقـبــلَ الـلـيــلُ كَـفَـفْـنـا
ونغـدو مثْـلَ سِـرْبٍ مُصْبحينـا
إلــى دارٍ معـيـنُ الْـعِـلـمِ فـيـهـا
فـبـيــنَ الـرَّهـوتـيـنِ معـلـمـونـا
فنقضي الوقتَ في جدٍّ ودرسٍ
وبعـد الظُّـهْـرِ نُقْـفِـلُ راجعيـنـا
أزاحَوا مـن ستـارِ الجهـل عنَّا
فأَضْحَيـنـا نِجـابـاً مُبْصِـريـنـا
فأجـزلْـهـمْ إلـــهَ الـكــونِ أجـــرًا
وَأَعْظِـمْ ذِكْـرَهُـم في العالميـنـا
أحمد الرباعي
[embedyt] https://www.youtube.com/watch?v=jI8wwPayQAU[/embedyt]