قررت أن اقتحم بابًا رياضيًا لطالما حاول الكثير اقتحامه أو الاقتراب منه، ومع أن الجميع يتحدث عنه وفي نفسه شيءٌ منه إلا أن البعض فضل الصمت وتجاهل الأمر، لكنني أرى أن الرياضة لدينا لن تتقدم ولن تنتج دوراتنا مواهبًا رياضية ونحن نعتمد كلياً على اللاعبين من المدن المجاورة؛ حتى إن هناك فرقاً بالكامل ليس للمكان من اسمها نصيب، ولا يوجد بها أي لاعب ينتمي لمكان المنشأ والانتماء.
هنا أقول رياضة محافظاتنا ومراكزنا ومدننا في خطر، ودورات تنظم ويدفع لها مبالغًا ليس لها مردودًا إيجابيًا وتعتبر هدرًا للموارد المالية والبشرية، وسوف آخذكم في جولة استطلاعية إلى بطولة عسفان الثانية لكرة القدم الحالية يشاركني فيها رؤساء فرق ولاعبون، نتجول معًا في الأسباب والحلول حول هذه الظاهرة.
لقد اشترك في هذه البطولة 24 فريقًا يمثلون 5 محافظات ومراكز مختلفة، ولم يشترك فيها من المناطق المعنية بها سوى 5 فرق جاءت على النحو التالي: المستضيف فريق الهجرة من مدينة عسفان، والفيصل من (الشامية)، والصقور من (الغولاء)، والخليج من مدينة (غران)، والعميد من مركز (أم الجرم)، جميع هذه الفرق لم تذهب بعيداً، ما عدا (العميد) ينافس في دور الـ 8، مع أن الجميع استعان بلاعبين من خارج منطقتهم وربما لعب أحدهم في مباراة ولا يوجد في صفوف الفريق لاعب واحد من منطقته، فإن الجميع لم يكن اعتمادهم على أبناء المنطقة!
تساءلتُ هنا: هل نفتقر إلى المواهب؟ هل نفتقر للمنافسات المستمرة والتي بدورها تخرج لنا مواهبًا تدعم صفوف الفرق؟ ياهل ترى ما السبب؟ حملت هذه الأسئلة في جولة رياضية في عقول قادة ورياضيين من أبناء المنطقة أبحث عن السبب ومن ثم الحل لهذة المشكلة، مجموعة أسئلة وجهتها للمهتمين بالشأن الرياضي بالمنطقة.
فكانت البداية بالأستاذ سلطان مفرح، مدرب الفيصل من الشامية، والذي نفى افتقار المنطقة للمواهب وأكّد العكس، وأنه يوجد لدينا مواهب كثر غير أنها صغيرة في العمر تحتاج إلى العمل عليها بصقل هذه المواهب من ولي الأمر والنادي أو الفريق الذي تنتمي إليه، وطالب بإنشاء أكاديميات في المراكز والأندية، والاهتمام بالصغار من جميع النواحي، وإن كان هذا العمل يحتاج إلى الصبر ووقت كأقل تقدير ثلاث سنوات كي نجني منها النتائج، وبإذن الله سوف نخرج بأكثر من فريق في المنطقة خاصة إذا أوقفنا الاستعانة بلاعبين من خارج المنطقة، وأضاف أن “المشكلة الكبرى” في أن أكثر المدربين يبحثون عن نتائج فورية حتى لو كان كامل الفريق من خارج المنطقة، وأكد أن الدعم لو يستثمر في أكاديمية والصبر على قطف الثمار، فسوف تستفيد الفرق من وجود لاعبين لسنوات في فرقهم، وربما يكون أحد نتائج ذلك لاعبين محترفين في الدوري السعودي من منطقتنا.
انتقلنا إلى جانب آخر ووجهنا بوصلتنا باتجاه الأستاذ بدر حميد البشري، مدرس التربية الرياضية ومدرب لفريق الأمل بالمقيطع، والذي أرجع ذلك لعدد من الأسباب أوجزها في سبع نقاط: أولاً: ندرة المواهب. ثانيًا: الدورات الرياضية خلال السنة قليلة؛ فهي دورتان أو ثلاث فقط، إحداها بمدينة غران، والثانية بمدينة خليص، والثالثة بمدينة عسفان. ثالثًا: عدم الاهتمام من لاعبي الفرق بحضور التمرين. رابعًا: المباريات الودية قليلة. خامسًا: عدم الثقه في لاعبينا. سادسًا: ضعف البنية الجسمانية. سابعًا: الحاجة إلى التشجيع والمكافآت.
أما المهندس أحمد حمدان، اللاعب السابق بالهجرة، والذي أشرف على الفريق في فترة سابقة، فيقول: أعتقد أننا لا نفتقر إلى المواهب بقدر ما نفتقر إلى من يستطيع صقل هذه المواهب والذهاب بها بعيداً وأردف: نحن نعاني من شح في الكوادر التدريبية والكشافين لها في مناطقنا، فمن يستطيع جمع فريق والإشراف عليه سوف ينجح، وذكر تجارب لأحد أبناء المنطقة ممن فرغوا أنفسهم لتلك الفرق واستطاعوا النجاح وبناء فرق قوية تنافس فرق بمدينة جدة، على سبيل المثال: عبدالكريم المرامحي، الذي استطاع بفريق التسامي مقارعه أبرز الفرق، وسامح الصحفي، مدرب فريق الخليج هو الآخر بنى فريق له صولات وجولات وتواجد في كل البطولات.
كما تحدث حمدان عن تجربته مع فريق الهجرة والتي اعتبرها أهم النجاحات في حياته، وكيف أنه استطاع تحويل فريق يعاني إلى فريق قوي أحرز ٣ بطولات في ظرف ٤ سنوات، وأهم ما امتاز به هذا الفريق أن جميع أفراده من أبناء مركز عسفان، ويعتقد حمدان أن هذا الإنجاز مصداقية لما تحدث عنه وهو: (أننا لا نفتقر إلى المواهب بقدر ما نفتقر إلى من يقود هؤلاء الشباب وإخراج أفضل ما يملكون لتشريف منطقتهم).
وتوقفت جولتنا تستطلع وجهة نظر الأستاذ الحسن المحمدي، والذي أكد على وجود المواهب بيد أن هناك العديد من السلبيات التي تقف أمام بروزها، والمتمثلة في عدم الانتظام بالتمارين، وضرب مثال على سنوات ماضية كانوا ينتظمون بالتمارين من بعد العصر كيف كانت النتائج مبهرة، وهو نفس الحال بفرق خليص وغران التي سجلت حضورا وصيتاً ذائعاً، وذكر من السلبيات عدم دخولهم مباريات ودية مع فرق خارج وداخل المنطقة، فقط اكتفوا بالبطولات القريبة منهم وهي التي لا تقام سوى مره بالسنة، وذكر من الأسباب عدم وجود داعمين مادياً لهذه الأندية بحيث إن الملاعب الآن تحتاج إلى مبالغ لإقامة التمارين والمباريات لها بعكس السابق يكتفون بالملاعب الترابية، هنا توقفت جولتنا الرياضية التي حاولنا فيها الغوص في أسباب عدم قدرة لاعبي فرقنا مجارات فرق المدن من حولنا.
إن هذه المجموعة من الآراء المختلفة تطرحها اللجنة الإعلامية لبطولة عسفان أمامكم، وما هي إلا مجرد بعثرة للأوراق ورمي حجر في بحيرة راكدة، كي نعيد الكرة والبطولات ومحاضن الشباب إلى سابق عهدها، وننتظر من الجميع إثراء هذا الموضوع بمزيد من الطرح والنقاش الجاد والهادف لصالح كل المراكز الرياضية والأندية والأكاديميات والفرق لدينا، وبالله التوفيق.
تركي البشري
مقالات سابقة للكاتب