خطيب الفرقان: إيذاء المؤمن (حسياً أو معنوياً) من كبائر الذنوب

جاء في الحديث

يا مَعْشَرَ من قد أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ ولم يُفْضِ الْإِيمَانُ إلى قَلْبِهِ لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ ..


قد يكون الأذى المعنوي أشد وطأة على النفس، وأبقى أثراً في الناس؛ لما فيه من تلويث السمعة، ونشر السوء


 حذر خطيب جامع الفرقان الشيخ حميدان بن إبراهيم الصحفي من قصد المؤمن بما يسوؤه ويؤذيه، سواء كان الأذى حسيا بالقتل أو الضرب أو الحبس أو التعذيب ونحوه، أو كان الأذى معنوياً بالقول كالشتم واللعن والغيبة والنميمة والبهتان والتعيير وأن ذلك يعتبر من كبائر الذنوب التي حذرنا حرمها الإسلام. جاء ذلك في خطبة الجمعة التي ألقاها يوم الجمعة الماضية بجامع الفرقان بمخطط غران.

كما بين صور الإيذاء التي تقع اليوم من كثير من الناس وضرب لها الأمثلة وشكر القائمين على خدمة المجتمع والسعي لرفع الضرر عليه وأن ما يقومون به يعتبر من أفضل الأعمال وثوابها عند الله عظيم وحذر من الوقوع في أعراضهم عبر الصحف والمواقع والمنتديات من غيبة وهمز ولمز وسخرية وبهتان الذي لا يجوز.

وقد لاقت الخطبة قبولا واستحسانا لدى المصلين حيث لامست همومهم وعالجت قضاياهم وبين لهم طريق الحق واضحا لا لبس فيه ومن هذا المنطلق يسرنا  أن ننشر الخطبة كاملة ليستفيد منها من لم يحضرها .. وفق الله شيخنا لما يحب ويرضى وبارك في علمه وعمله.

عنوان الخطبة : كف الأذى وبذل الندى

الحمد لله الولي الحميد؛ كتب الإحسان على كل شيء، وحرم أذية الخلق بلا حق، نحمده على نعمه وآلائه، ونشكره على عطائه وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ، فَجَاءَت أخلاق بني آدم  عَلَى قَدْرِ الْأَرْض؛ ففيهم الطَّيِّبُ والْخَبِيثُ وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ وَبَيْنَ ذَلِكَ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أثنى الله تعالى عليه في الأولين والآخرين، وأعلى ذكره في العالمين، وخاطبه سبحانه بقوله في الكتاب المبين:[وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ] صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واستقيموا إليه ولا تكفروه، وخذوا دينه بعزم وقوة [فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ].

أيها الناس: محبة الله تعالى لعباده المؤمنين عظيمة؛ لأنهم آمنوا به، واتبعوا رسله، وصدقوا أخباره، والتزموا شريعته.

 محبة أورثتهم منزلة الخصوصية عند ربهم سبحانه وتعالى، فاختصهم بهداية ورحمة ليست لغيرهم من سائر الخلق.. وبهذه الهداية والرحمة ينالون سعادة الدنيا بطمأنينة القلب وفرحه بالله تعالى، وسعادة الآخرة بالفوز العظيم والفلاح الكبير، والقرب من الرحمن جل في علاه.

 ويكفي في بيان محبة الله تعالى للمؤمنين قول الله تعالى في الحديث القدسي «وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ»رواه البخاري.

 ولأجل هذه المحبة العظيمة من الله تعالى لعبده المؤمن؛ كان من كبائر الذنوب قصد المؤمن بما يسوؤه ويؤذيه، سواء كان الأذى حسيا بالقتل أو الضرب أو الحبس أو التعذيب ونحوه، أو كان الأذى معنوياً بالقول كالشتم واللعن والغيبة والنميمة والبهتان والتعيير وشبهه.

 وقد يكون الأذى المعنوي أشد وطأة على النفس، وأبقى أثراً في الناس؛ لما فيه من تلويث السمعة، ونشر السوء، ولا سيما إن كان كذباً وبهتاناً، وفيه يقول الله تعالى [وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا]  وفي آية أخرى:

[وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُفْتَرِينَ].

وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الغيبة بأنها:«ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ:إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ»رواه مسلم.

 وإنما حرمت الغيبة لما فيها من الأذى المعنوي، وأعظم منها البهتان؛ لأنه جمع بين الكذب والغيبة.

 والناس كثيراً ما يستهينون بأذية اللسان، مع أنها في كثير من الأحيان أشد مرارة من أخذ المال، أو الاعتداء على الأبدان.

 والمخالطون للمرء، والقريبون منه؛ أذيتهم أشد حرمة من أذية غيرهم؛ لحرمة قربهم، وعظمة حقهم؛ ولتوقع تكرار وقوع الأذى عليهم ؛ فأذية الوالدين عقوق، وأذية القرابة قطيعة، وأذية الزوج لزوجته سوء عشرة، وأذية الزوجة لزوجها نشوز، وأذية الوالد لولده سوء تربية، وأذية الجار سوء جوار، تُذهِبُ أجر كثير من العبادات وتمحو أثرها، ومقتصدُُ محسن لجيرانه، خير من قانت يسيء جوارِهم؛ لما روى أَبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ:«قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنَ الْأَقِطِ-أي بقطع من الأقط-، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ» رواه أحمد.

وفي حديث أبي شُرَيْحٍ رضي الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:«والله لَا يُؤْمِنُ والله لَا يُؤْمِنُ والله لَا يُؤْمِنُ، قِيلَ: وَمَنْ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ وفي رواية قالوا أي: الصحابة رضي الله عنهم: خاب وخسر من هو يارسول الله؟ قال: الذي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بوائقه»رواه البخاري. وفي حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:«لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ من لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ»رواه مسلم. وقد علق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى على هذا الحديث فقال:«فإذا كان هذا بمجرد الخوف من بوائقه فكيف من فعل البوائق مع عدم أمن جاره منه».

 وإذا آذت الزوجة زوجها دعت عليها زوجته من الحور العين كما في حديث مُعَاذِ بن جَبَلٍ رضي الله عنه عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لاَ تُؤْذِى امْرَأَةٌ زَوْجَهَا في الدُّنْيَا إلا قالت زَوْجَتُهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ: لاَ تُؤْذِيهِ قَاتَلَكِ الله، فَإِنَّمَا هو عِنْدَكَ دَخِيلٌ يُوشِكُ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا».

 والجماعة في المسجد يجتمعون للصلاة والذكر والعبادة فلا يحل لأحد منهم أن يؤذي غيره بقوله أو بفعله أو حتى برائحته؛ ولذا شرع التطهر والتزين للصلاة [يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ]  وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«من أَكَلَ من هذه الشَّجَرَةِ فلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا ولا يُؤْذِيَنَّا بِرِيحِ الثُّومِ»رواه مسلم.

فكيف بمن يأكل لحوم إخوانه في المسجد يجلس أحدهم يتحدث مع صاحبه في أمور الدنيا بين الأذان والإقامة فيغتاب إخوانه المسلمين.

 وفي القرآن الكريم نهي شديد عن أذية أي مؤمن ولو لم تعرفه أو تخالطه، أو كان من غير بلدك، أو يتكلم بغير لغتك، ما دام يحمل وصف الإيمان، وكم يستهين كثير من الناس بأذية الضعفة والمساكين من الخدم والعمال ونحوهم، ويستحل شتمهم، والسخرية بهم، وتسلية نفسه ورفقته بأي أذى يُلحِقه بهم، وإثمُ ذلك عظيم، وخطره كبير؛ لأن الله تعالى يقول [وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا].

وخطب النبي صلى الله عليه وسلم على الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فقال:«يا مَعْشَرَ من قد أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ ولم يُفْضِ الْإِيمَانُ إلى قَلْبِهِ لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ…».

 ولشدة النهي عن أذية المؤمن فإنه يحرم سب ميت مات على أسوأ حال، إذا كان ثمة حي يتأذى بسب ذلك الميت كأهله أو ولده أو قريبه، وفي ذلك يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ فَتُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ»رواه أحمد.

 وإزالة ما يؤذي الناس عمل جليل، رُتِب عليه أجر عظيم، ولو كان شيئا يسيرا في طريق الناس أو أماكن اجتماعهم، وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم إِمَاطَةُ الْأَذَى عن الطَّرِيقِ من شعب الْإِيمَانِ.

 وأيقنوا -عباد الله- أن رجلا دخل الجنة في غصن نحاه عن طريق الناس؛ لتعلموا خطر أذية الناس، وفضل إزالة ما يؤذيهم، ففي حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ على ظَهْرِ طَرِيقٍ فقال: والله لَأُنَحِّيَنَّ هذا عن الْمُسْلِمِينَ لَا يُؤْذِيهِمْ فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ»رواه الشيخان.

 وأعجب من ذلك أن يكون منع الأذى عن المسلمين، أو رفعه بعد وقوعه من الأولويات التي تقدم على غيرها  كما في حديث أَبِي بَرْزَةَ رضي الله عنه قَالَ:«قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله عَلِّمْنِي شَيْئًا يَنْفَعُنِي اللهُ بِهِ فَقَالَ: انْظُرْ مَا يُؤْذِي النَّاسَ فَاعْزِلْهُ عَنْ طَرِيقِهِمْ»رواه أحمد. وما أحوج المسلمين إلى التخلق بهذا الخلق الحسن الرفيع، فيشعر بعضهم ببعض، ولا يؤذي أحد منهم أحدا، ويستبقون على الأذى لإزالته؛ رغبة في الأجر؛ ودفعا للضرر عن الغير.

 ومن سمو الشريعة ورفعتها  اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بغرس هذا الخلق الجميل في أمته، وعده من محاسن الأعمال، وأن تركه من سوء الإهمال، دل على ذلك حديث أبي ذَرٍّ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا فَوَجَدْتُ في مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الْأَذَى يُمَاطُ عن الطَّرِيقِ وَوَجَدْتُ في مَسَاوِي أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةَ تَكُونُ في الْمَسْجِدِ لَا تُدْفَنُ»رواه مسلم.

 وإذا عجز المرء عن عمل الخير كان إمساكه عن أذية غيره من الخير إذا احتسب ذلك عند الله تعالى، فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم جملة من خصال الخير يحث أبا ذر رضي الله عنه على العمل بها، قال أبو ذر:«فإن لم أَسْتَطِعْ، قال: كُفَّ أَذَاكَ عَنِ الناس فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بها عن نَفْسِكَ»رواه أحمد.


 يقول ابن رجب رحمه الله : «تضمنت النصوص أن المسلم لا يحل إيصال الأذى إليه بوجه من الوجوه من قول أو فعل بغير حق»


 وفي هذه النصوص كفاية لمن عرف حرمة المؤمن عند الله ، فكف لسانه ويده عن أذية أحد، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.

 بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من البيان والحكمة.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

 أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعملوا لآخرتكم، ولا تغتروا بالدنيا [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِالله الغَرُورُ].

 أيها المسلمون: ما أبعد كثير من المسلمين عن أخلاق الإسلام وآدابه، ولاسيما فيما يتعلق بأذى الناس، سواء في الاستهانة بإيقاعه، أو الإهمال في دفعه وإزالته، وكأن الأمر لا يعني أحدا منهم.

فجزى الله خيرا الإخوة القائمين على رفع كل أذى ودفع كل ضرر حاصل على مجتمعنا وقريتنا، وجلب كل خير ونفع لمجتمعنا، وعلى رأسهم مشايخَ قبيلتنِا الأفاضل حفظهم الله وبارك الله فيهم وفي جهودهم وكللها بالنجاح وألف بين قلوبهم وجمع كلمتهم على الحق والهدى، ومن حقهم علينا الذب عن أعراضهم ، والكف عن همزهم وغمزهم، والدعاء لهم بظهر الغيب بالتوفيق والسداد والفلاح والرشاد.

وليعملوا أن ذلك من الأعمال الفاضلة الجليلة وثوابها عند الله عظيم إن هم أخلصوا نياتهم لربهم ، ففي الحديث:

أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس.

فجزاهم الله عنا خيرا،وبارك فيهم وفي جهودهم، فجهودهم مذكورة غير منكورة، وأعمالهم مشكورة غير مكفورة.

ومن صور إيقاع الأذى بالناس ما يكتبه ذو الوجهين في الصحف والمواقع والمنتديات من غيبة وهمز ولمز وسخرية وبهتان، فويل ثم ويل لمن وقع في أعراض المسلمين وأكل لحومهم ، ففي الحديث: إن أربى الربا إستطالة المرء في عرض أخيه، وهؤلاء وإن سلموا من عقوبة الدنيا لأنهم يكتبون بأسماء مستعارة غير مكشوفة للناس فلن يسلموا من عقوبة الآخرة إن لم يتوبوا، يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول، وليتذكروا حديث المفلس، يوم يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة وحسنات ويأتي وقد شتم هذا .. وضرب هذا .. وأكل مال هذا ، ثم قال عليه الصلاة والسلام في آخر الحديث: فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته ولم يقض ما عليه ، أخذ من سيئاتهم ثم طرحت عليه فطرح في النار..).

نعوذ بالله من الخذلان والخسران.

عباد الله:

 ومن أبين مظاهر الأذى أذية الناس بعضهم بعضا بالسيارات في الطرق، وخاصة في حال الزحام وعند الإشارات، فلا يرعى بعضهم حرمة بعض، ولا يحفظ له حقه، وكأنهم في معركة يريد الواحد منهم النيل من غيره، وكم من الأذى والاعتداء يقع بسبب ذلك، ويتجرأ الواحد منهم فيتخطى عشرات منتظمين في طريقهم، فيخالفهم ويعتدي على حقهم غير مبال بهم، ويحشر سيارته بينهم ليتجاوزهم، وينتج عن ذلك غضب وانفعال وشتم وإزعاج، وهذا من أعظم الأذى ، وليس هذا من أخلاق المسلم.

 وفي أيام الدراسة والامتحانات يتجمهر الشباب في بعض الطرق وعند المدارس للاستعراض، ويمارسون أذية الناس وترويعهم بسياراتهم، ويوردون أنفسهم وغيرهم مخاطر الحوادث والهلاك، ولا أحد يردعهم عن هذه الأذى.

وفي ذلك من التشديد قول النبي صلى الله عليه وسلم:«من آذَى الْمُسْلِمِينَ في طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عليه لَعْنَتُهُمْ».

 وفي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ، قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ»رواه مسلم. ومعناه : اتقوا الأمرين الجالبين للعن، وذلك أن من فعلهما لعن وشتم.

 ولا يشك عاقل في أن أذى الناس بالسيارات، وتعريض حياتهم لأخطارها، وترويعهم بها؛ أشد أذى من التخلي في الطرق وقد استحق صاحبه لعن الناس وشتمهم، فليحذر شباب الإسلام من الوقوع في ذلك، أو المشاركة فيه بالتجمهر ولو لم يفعلوا شيئا؛ فإن تكثيرهم لسواد المؤذين إعانة على الإثم والعدوان.

ومن الشباب من يؤذي الناس في أعراضهم، فيغررون بالفتيات والأحداث ويصطادونهم حيث غفلة الوالدين والثقة العمياء في الأولاد، فيغمسونهم في الفواحش والمنكرات وربما أغروهم بالمسكرات والمخدرات.

 وصور الأذى لا تكاد تنحصر في الناس من كثرتها، وهذا من سوء الأخلاق، ومما ينافي تعاليم الإسلام، الذي جعل الأخلاق من أجل العبادات وأفضلها ، ففي الحديث: إن الرجل ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم، وقال عليه الصلاة والسلام :

إن من أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً.

فليحذر كل مؤمن أن يؤذي أخاه المؤمن؛ فإن قدر المؤمن عند الله تعالى عظيم، وحرمة المسلم عند الله أشد من حرمة الكعبة المشرفة ، وقد يؤذي وليا لله تعالى فيؤذنه الله سبحانه بالمحاربة، قال تعالى في الحديث القدسي: من عادى لي وليا ( فقد آذنته بالحرب ) أي:

أعلمته أني محارب له ، ولن يفلح من بارز الله تعالى بالمحاربة.

 هذا ، وصلوا وسلموا على نبيكم الرحمة المهداة والنعمة المسداه محمد بن عبد الله حيث أمركم بذلكم ربكم جل في علاه فقال في محكم تنزيله وهو الصادق في قيله إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً.

 

 

 

5 تعليق على “خطيب الفرقان: إيذاء المؤمن (حسياً أو معنوياً) من كبائر الذنوب

ابوملاك

جزى الله الشيخ ابا معاذ على ما اشار اليه في الخطبه .. ودوما هو مميز في خطبه فبارك الله فيه وفي علمه ونفع به

ابوفادي

قد سمعت عن خطبة شيخنا ابامعاذ وتمنيت لو حضرتها
هكذا الخطب نريدها اضاءات لزمن نعيشه وتذكير بايه وحديث لحدث نعيشه

أبوسعود

خطبة موفقة جدا
إنني أحبك في الله يا أبامعاذ

زهرة

جزى الله الشيخ خير الجزاء
وهدى الله مصهلل وشكيل

احمد المرامحي

والله هذي الامام الصح
يتحدث فيما يهتم به الناس ويكون حديث الساعة
وبادرة راااااااائعة من صحيفة غران نقل هذه الخطبة
الموققة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *