وقائع من الواقع ٤ ( للتسلية فقط )

حدث أني استفدت من دورتين كانت حول قراءة الشخصيات من صفحة خط أيديهم ، وكان المدرب شاباً يحمل شهادة الدكتوراة ، يعتمد على أسلوب التفاعل والإثارة والقرب من نفسيات المتدربين بإظهاره البساطة حينا ، فيذكر مما مر به من مواقف منه مضحكة عليه ، وحينا يمازحهم منتقياً مايمزح به لكون أعمارهم مختلفة ، ويوقر الكبار منهم كثيراً ، وعجبت من قدراته هذه ، التي يظنها الكثير من الناس أنها من السهولة بمكان حتى أنهم استهانوا بها ففقدوها .

ولا أريد إسهاباً أكثر فأصرف اتجاه تفكيركم عن محور ما أريد نقله إليكم في مقالتي هذه ، وهو أشبه بالقصة إن لم يكن قصة… – لقد كان من الأنشطة التدريبية أن نكتب بخط أيدينا ونحلل لبعضنا ثم نسلمه للمدرب ، فقلت ممازحاً له كما هو يمازحنا : بهذا – يادكتور -ستتمكن من تحليل شخصياتنا جميعاً دون إذن منا ؟

فابتسم وقال :
منذ دخولكم القاعة أول مرة ، نظرت إليكم واحداً واحداً فحللت شخصياتكم !

فبادلته الابتسامة ولكني وضعت إجابته هذه في قبضة ذاكرتي ، وقد تجيش في داخلي أمر ما ، وقررت أن أقتنص فرصة خلوة به لأضعه في زاوية إحراج تحقق لي أكثر من فائدة ، مع احترامي له ، وربما كان في نفسي رحمة به من موقف أمام الجميع غير جيد له !

فاقتنصت الفرصة حين التوقف لصلاة المغرب فسألته :
لقد قلت أنك حللت شخصياتنا عند أول مرآك لنا ، فما وجدت في شخصيتي؟
فكان أكثر رونقاً ، فقال : أنت وأنت وأنت
يذكرصفات كلنا يحبها في نفسه !

شكرته وقلت لا أريد هذا فمهما يكن من الجميل فينا فإننا لا نسلم من مناقضه ، قل لي مما ينبغي أن أصلحه أو أدعه ، فأحسست تحرجه ، فقلت قل ماشئت وقد طلبت منك فلا حرج عليك..
فقال : أنت تريد إصلاح الناس كلهم!
فعلتني دهشة الاستغراب جدا !!!
أهذا عيب ينبغي التخلص منه؟
قال نعم.

لأنك تشغل نفسك ، وتتعب قلبك، وتبذل من طاقتك فيما لا جدوى منه ، -وقد صدق – فالناس أجناس في تفكيرهم وقناعاتهم ، وأسوأهم من لا يعرف للناس حقا ولا قدراً ، ولاتهمه إلا نفسه ، قال صلى الله عليه وسلم (يا عائشة إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه أو تركه الناس اتقاء فحشه).

وكأنما أعطاني هذا المدرب درساً خصوصياً إضافة لما كان في قاعةالتدريب ، وقلت في نفسي سأنظر في تصرفاتي الليلة مع الناس وأين ماوصفني به منها ؟ وانتهى التدريب وخرجت ، وما من تصرف مع الناس إلا وحكمته بمعيار ( أنت تريد أن تصلح الناس كلهم) حتى ردهم التحية علي كان من ضمن مادخل في التحكيم تلك الليلة ، حتى إذ وقفت بسيارتي عند دخول طريق ، في احترام لمن في الطريق ، والتزام بنظام المرور ، ورأيت من وطئ بسيارته الرصيف وقفز في الطريق ، ونسيت ماقال المدرب لحظتها وإذا بآخر يقتدي به !

وإذا بالثالث جواري يستعد للفعلة مثلهم ، فكلمته واعظاً، ليلتزم بالنظام ، وقد طلبت منه أن يفتح زجاج باب سيارته ليسمعني ، فو الله إنه سمعني وما زاد على أن هز رأسه وانطلق من فوق الرصيف إلى الطريق وبقيت واقفاً أنا زمناً، ثم ذكرت قول المدرب ( أنه من عيوبي أني أريد اصلاح الناس كلهم) .

ليس هذا نسجاً من خيالي بل هو من الواقع فعلاً .

أحمد مهنا الصحفي

مقالات سابقة للكاتب

22 تعليق على “وقائع من الواقع ٤ ( للتسلية فقط )

عبد الحميد الصحفي

درس جميل

القلم النابض

تبسمت عندما قرات مقالك بحسب معرفتي بك استاذنا الفاضل فالذي وصفك به من محاولة اصلاح الناس كنت الاحظه واوصفه ايجابية عالية و يندر وجودها الا في من كان قلبه مثل قلبك يحمل الحب والرأفة لجميع الخلق و تحرص على ان يتصرفوا بشكل الصحيح جعل ذلك في ميزان حسناتك و رزقك على حسن نيتك .

أبوالورود

أنت صاحب فكر راقي ولك فضل مشهود وقد تأثر بك كثير من الناس صغاراً وكباراً منهم طلاب في المدارس ومعلمين ومنهم جيرانك ومن له معرفة بك تذكر بالخير دائماً لكن اصلاح الجميع أمر مستحيل وفيه حمل كبير على النفس واجهاد ولكل مجتهد نصيب فلك من الله الأجر الوفير في الدنيا والآخره
مثلك يا أستاذ أحمد نتشرف به وبفكرك وسلوكك نقتدي وبعد هذه الإطالة أقول مجتمعنا لايستغني عنك فلا تقصر معنا بجميل نصحك ورقي فكرك وعطائك الجزيل أطال الله عمرك في صحة وطاعة وسعادة وعطاء .

الدرة

وقد أصلحت فينا كثيرا بمقالك
بورك القلم وصاحب القلم..

النصف الآخر

ليس العيب فيمن يريد الإصلاح !!
ولكن العيب فيمن نريد اصلاحه هل يريد هو اصلاح نفسه ؟؟
التنبيه للغافل الذي يريد ان يصلح نفسه
اما المعاند الذي يعرف الخطأ ويستمر عليه فمشكلته مشكلة اخرى علاجها ليس التنبية انما علاج يناسب عناده
نعم تريد اصلاح الناس كلهم ولكن لن يصلح الناس كلهم
قال تعالى
( انك لاتهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء )
بارك الله فيك استاذي احمد وجزاك الله خيرا على حبك للاصلاح
وهذه من صفات المؤمن الصادق
( لايؤمن احدكم حتى يحب لاخيه مايحب لنفسه )

مسك

قصة جميلة روايةً أجمل..
حقا استاذي فكرك راقي وانت شخصية مؤثرة بشكل ايجابي
فمن مقالك هذا وتعمقي به استفدت منه شيئا جميلا
حفظك الله..

ابراهيم مهنا

سرد قصصي ماتع
ودرس من مرب فاضل
عرفتك بحرصك على الخير والتربية
وصدق من وصفك

غير معروف

مقال رائع من تربوي رائع
ليس عيبا ما وصفت به ولكنه مجهدجدا لمن حاول ذلك كتب الله اجرنيتك وسعيك فى الخير

🌸

جمممييلله والله واختيار الكلمات رائع وحتى سردك للقصه مو ممل ابدا ومختصرر 🌸

أ.نويفعة الصحفي

مقال جمع الدرر ” معنى وأسلوب وطرح جميل ” ما أستطعت أن أرفع نظري حتى انتهت القصة ، فوجدتها درس من مرب فاضل ، أستفدنا منه وتثر فينا ولا زلنا ننهل من معينه الكثير ..
شكرا لك أستاذنا القدير أحمد بن مهنا وأعتقد أننا سنظل نذكر قصتك بين الحين والأخر ..

رمز العطاء

كلمات رائعه وعبارات جميله نسقت بإتقان فأصبحت كالعقد المنظم الذي يتلألأ بريقه ..
شكرًا للكاتب الراقي والتربوي القدير الذي ننهل من تجاربه ونستفيد من دروسه ..
وفقك الله وبارك فيك ..

فهد الصحفي

اصلح الله بك وزادك صلاحا
لا تتوقف ابا رايد فان لم تستطع اصلاح كل من تريد اصلاحه حتما ستصلح من يريد الله له الصلاح

عواطف الثلابي.

(الانسان في كل مراحل حياته يتعرض لمرحلة اصلاح شامله من المواقف التي تمر به ،و تزيد من سعة مداركنا ،مدرسة الحياة غنيه بالمعارف والتجارب بعضها تخبرنا عن شخصياتنا)
قصة ملهمه استاذ: أحمد ونتطلع للمزيد، تعلمنامن بين هذه السطور حكم جميله، واضاءات مشرقه نستفيد منها ، بارك الله فيك ونفع بك.
قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت؛ ليصلون على معلم الناس الخير)

عبدالرحيم الصبحي ـ أبو أوس

دراسة الشخصيات البشرية وتصنيفها تتعدد وتعلمها تأهيل لغد مشرق كلنا بحاجة إلى تفهم الآخرين والكشف عن طباعهم ليس لنتتبعهم ولكن لنكسب مهارة التعامل معهم شكرا أبا رائد ما تكتبه و حديثك مع الآخرين دوما ماتع ومفيد وحقيقة لا يعدم ما يجالسك فائدة الحديث إليك دمت موفقا ومسددا .

شمس

قصه رااائعه وجميله وانت اجمله

غير معروف

شكراً أبا رائد .. الإصلاح هاجس للجميع والموفق من وفقه الله ..

عبدالله الصحفي

حفظك الله ابا رائد … مقال جميل جدا ومثل هذا المقال يستحق ان ينشر على اوسع نطاق

أيوب بن عبدالحميد بن مهنا

إصلاح الآخرين مقصدٌ سامٍ ومَطلبٌ رامٍ لا يخرجُ إلا من نفسٍ شريفة وبِالهُدى عَريفة .. كنفسِكم يا أبا رائد

يتكبَّدُ صاحبُه تعبًا وجُهْدًا ، ونَصَبًا وكَدًّا .. وهذا شَأْنُ أهلِ الكمالات ودربُ أصلِ الكرامات {لعلك باخِعٌ نفْسَكَ ألَّا يكونوا مؤمنين}

ولكنَّ الواقعَ المؤلم لكلِّ مُصلحٍ مُسلِم فَسادُ جُلِّ الخلق وكَسادُ سوقِ الحَقّ ، وعدَمُ قبولِ النصيحة وخَرْمُ الأصولِ الصحيحة ،
فراغِبُ الصَّلاحِ لكُلِّ شابّ كطالبِ المِياهِ من السَّراب ..

وإني لأَخَالُهُ صِراعًا بين النفسِ والواقع .. ونفسكُم – يا عمّي – قويةُ الدافع ، لا توهنُها صعوبة الكَدّ ، ولا تُضعفُها فَداحةُ الردّ ؛ فَتَمضي بما تراهُ صوابا ولا تَألو بذاك رِكَابا .. دليلُكم القرآن وحَسبُكم الرحمن
{فذكر إنما أنت مُذَكِّر} هكذا نفْسُ المسلم..
{لستَ عليهم بمصيطر} وهذا الواقعُ المؤلم..

ولكنْ دوافعُ الدكتور إراحةُ الصّدور ، فيسعى خلف ما يسلِّم الناس من كل ضُرٍّ وباس .. وهذا لعَمْري نافعٌ لضِعافِ النفوس ودافعٌ لخفضِ الرؤوس مابين نومٍ وجلوس ..
وأمّا النفوسُ الأبيّة ذاوتُ الرؤوسِ العَلِيّة فهَيهَات أن ترضى بذلك..
نُفوسُ الكِرامِ عَلى مَبدَإٍ
وكَدُّ الصِّعابِ عليهِم يسيرْ
وَ جُودُ الكِرامِ على مُخْطِئٍ
نَجاةٌ لهُ مِنْ عَذابٍ كثيرْ
كذلِكَ فيهِ نجاةٌ لهُم
فعُذْرٌ إلى اللهِ قَبلَ المَسيرْ
مَسيرِ العِبادِ لربٍّ يرى
ويسْمعُ دَوْمًا جَميعَ الأمورْ
وأنتَ كريمٌ – أبا رائَدٍ –
وَطَبْعُ الكِرَامِ كَلامٌ وَقُور
كذَاكَ مَقالُكَ هَذا الّذي
نَثَرْتَ بِرَسْمِكَ فيه العَبيرْ
أَدامَ الإلهُ أَساريرَكُمْ
لِنَحظى طَويلًا بِهذا الأَثير

مار من هنا

المفترض المقال يكون رد ايوب الصحفي
فعلا كلام يستحق ان يكون هو المقال اهنئك واهنئ من رباك بك

أحمد بن مهما

كل ما كتبت مقالة وقرأها أمثالكم ، زدت اعتزازا بكم ، وزادت مقالتي قيمة بتعليقاتكم عليها، مما يجعلني أقول أن المقالة التي تكون مفتاحا لمثل هذه الإضافات الرائعة من قرائها المثقفين يحق لها أن تفتخر لو نطق ، وتقول هذه تعليقاتهم أجمل وأروع ، حلية لبستها ، وقيمة حزتها.

شكرا لكم ، 🌸

الصحفي

ما شاء الله تبارك الله عليك استاذ ايوب، اتمنى ان تكتب لنا مئات المقالات المفيدة في صحيفتنا الغالية، فكتابتك واستطرادك وردك لكاتب المقال جميل جدا، شكرا لك استاذ ايوب.

ماجد الصبحي

يسلم قلمك وابداعك الجوهري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *