موضوع من سنين وهو في خلدي وبين أوراقي فحان أن أبثه في صحيفتكم …
يظن بعض الناس أن الإحالة للتقاعد نهاية المطاف فيُحطُّ عصاه ، ويستكين ويتشاءم ، وينزوي ويغزوه الفشل واليأس ، والضجر والسأم ، وتظلم الحياة في عينه ..
ويظن آخر أن الإحالة للتقاعد .. راحة وكسل ، وخمول ودعة ، وجلوس مع القواعد من النساء .. وكلٌ قد حار عن الصواب.
إن الإحالة إلى التقاعد معناها حياة جديدة متفتحة جميلة ، حياة يملؤها الأمل والعطاء ، إن الانسان في زحمة أعماله وتراكم مسؤولياته قد يغفل عن بعض الواجبات أو يهمل بعض المستحبات ، ففرصة التقاعد تُعوّض كل أولئك فترضي ربك ، وتصلح بين الناس ، وتعلم جاهلاً ، وتعود مريضاً ، وتُشيّع جنازة وتهنىء بنعمة ، وتواسي على مصيبة … وتكون رجل عامةٍ في كل بر لا تُفتقد ..
ونماذج سلفنا الأبرار تنبئك أن الهمة لا يغزوها شيب .. وإن غزا الذوائب واشتعل الرأس منه شيباً ..
قال البخاري في صحيحه ” وقد تعلم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في كبر سنهم ” ..
إن الأمة بحاجة إلى المتقاعدين .. فكيف برجلٍ قد أمضى في الوظيفة أو التعليم أو التدريب زهرة شبابه لهو رجل مكتمل الخبرة ، واسع الآفاق ، رحب الرأي محنك التجربة ..
ولعل في زماننا يعيب بعض الشباب على الآباء من كبار السن خروجهم إلى عمل أو تجارة أو قضاء غرض ؛ بحجة أنهم قد أخذوا حياتهم فليفسحوا المجال أمام الشباب !!
فأقول إن المجال متسع ، والفضاء رحب ، فمع قوة الشاب جنباً إلى جنب تجربة الشيخ الوقور ، وإن جلوساً لساعة واحدة مع بعض كبار السن يعطيك أيها الشاب حنكة سنين طويلة وتجربة حكيمة لا تنال بدراسة ولا كتب .
فعطاء الإنسان لا ينقطع .. وأمل المسلم لا ينتهي إلا بدخول الجنة .
فهذا ابن عقيل يحدثنا عن نفسه فيقول ” إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري حتى إذا تعطل لساني عن مدارسة ومناظرة ، وبصري عن مطالعة أعملت فكري في حال راحتي وأنا مستطرح فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره ، وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في عشر الثمانين أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين “.
ما شاب عزمي ولا حزمي ولا خلقي
ولا ولائي ولا ديني ولا كرمي
وإنما اعتاض رأسي غير صبغته
والشيب في الرأس غير الشيب في الهمم
فاعرفوا حق آبائكم وأمهاتكم واعرفوا حق الشيوخ في المجتمع واعلموا أن الله جل وعلا يستحي من ذي الشيبة المسلم .
أحمد محمد الصحفي
مقالات سابقة للكاتب