تعد صفة التفتح الذهني صفة تلقائية أو غريزية، ولو حاولت اكتسابها ستجد مقاومةً شديدة من عقلك؛ لأن فيه آليات بدائية تمنعك من هذا، وكي نكون متفتحين ذهنياً علينا أن ندرك أنَّ عقولنا تضللنا؛ لأن فيها بعض العيوب، فنحن كمن يرتدي نظارة مشروخة، عليه إدراك وجود هذا الشرخ؛ كي لا يعتقد أن العالم من حوله هو المشروخ.
فلا بد لنا من معرفة تلك الآليات البدائية؛ كي نستطيع التعامل معها باستجابه واعية.
وأول هذه الآليات ثقافة القطيع، فمسايرة الآخرين وسيلة مهمة للحفاظ على النوع.
فحين يجد الفرد الآخرين يجرون هاربين فجأة؛ سيجري معهم بشكلٍ تلقائي مفترضاً أن هناك خطراً ما، ولن ينتظر ليعرف سبب تحركهم المفاجئ، ولن يسأل نفسه ما إذا كان تحركهم منطقياً أو لا.
وعلى المستوى الذهني نجد أن أفكار الآخرين أيضاً لها تأثير علينا، فنحن نقلد -ولو بشكل بسيط- آراء غيرنا دون أن ندري.
وثاني هذه الآليات، النقطة العمياء، فكلنا نعاني من نقاط عمياء ومعلومات لا نلاحظ أنها مفقودة، ونعيش حياتنا بشكل طبيعي، وكأن شيئاً لم يكن، فكل ما تراه حولك في الحياة يتعامل معه العقل بذات الحيلة.
فحين تكون جاهلاً بمعلومة ما، لن ينبهك عقلك أن هناك معلومة ناقصة.
ولذلك غالباً تكون الحقيقة موجودة أمامك، لكنك غير قادر على رؤيتها؛ لأنها في منطقتك العمياء.
وهكذا تتعامل عقولنا عندما نرى معلومات قليلة، ونملأ باقي الفراغات بما هو مألوف.
والإنسان -رغم هذا القصور الإدراكي الواضح- مبرمج؛ليعتقد أن رأيه هو الصحيح دائماً، ويبدأ في الدفاع عنه في حماس، بل في تعصب أحياناً.
وثالث هذه الآليات، تأثير المشاعر، حيث وجد العلماء أن الإنسان يكون أكثر قابلية للاقتناع برأي ما، إذا كان يشعر بمشاعر إيجابية دون أن يدرك أن اقتناعه بهذا الرأي يرجع لحالته الشعورية.
فعلى المرء أن يتجاوز تلك الآليات البدائية التي تجعل ذهنه متصلباً إلى التفتح الذهني، وهو الرغبة في البحث عن أدلة تخالف معتقده وخططه وأهدافه، وتقييم كل دليلٍ بشكلٍ عادل.
ولذلك نجد أن من يتم عقله بالتفتح الذهني يحظى بكثير من المكاسب النفسية، فهو أقل قابلية للخداع والتضليل من غيره؛ لقدرته على التفكير النقدي وتمرير كل ما يقال له على عقله؛ للبحث في أدلته قبل تصديقه، وغالباً ما يكون أقل قابلية للاستقطاب؛ لأنه مغرم بالبحث عن الحقيقة لا الانقياد وراء أحد.
وصاحب العقل المتفتح ذهنياً غالباً ما يكون أقل تعصباً وتطرفاً، وأكثر تسامحاً مع المختلفين معه؛ فهو يعرف الرأي والرأي الآخر، فلا يعتبر أن المختلف معه شيطان رجيم، بل يتفهم موقفه، وقد يتعاطف معه أيضاً؛ لأنه يفهم دوافعه، فالمعرفة تتيح للإنسان القدرة على تقمص منطق وجهة النظر الأخرى.
ومع هذا نجد أنه لا يأخذ حكمته من الرأي الدارج حوله، بل من الانفتاح على كل الأدلة والأفكار والترجيح بين الآراء المختلفة.
سليمان مسلم البلادي
مستشار الوعي الإنساني
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي