رسائل مبتعث – ٣

الرسالة الثالثة

ركبنا سيارة “صالح” فبادرني بالسؤال ، هل أفطرت؟ تلعثمت قليلاً ثم أجبت بالنفي ، توجهنا إلى مطعم صغير من سلسلة المطاعم السريعة ، لاحظت عند الدخول أن هناك رجلاً وسيدتان خلفنا ، أمسك صالح الباب حتى دخلوا وراءنا ، ثم ألتفت إليّ راشد وقال ، هذا هو الأسلوب المتبع هنا غالباً تعبيراً عن حسن أدبك وإحترامك لمن يليك بأن تمسك له الباب حتى يدخل أو هو يمسك الباب بيده ليدخل ، قلت في نفسي ” فين صفق البيبان عندنا” ، بسرعة طلبنا فطوراً مكوناً من أشياء أعرفها بالإسم ولكن لم أكن متعوداً عليها ، طلب صالح طبق بان كيك ، وطلب راشد كروسان بالجبنة وطبعاً أنا طلبت مثل راشد ، الغريب هنا أن أول شيء يسالك عنه النادل “ماذا تريد أن تشرب؟” تعجبت حيث أنني متعود أن القهوة أو الشاي أو البارد والعصير تكون بعد الأكل ، أخبراني بأن هذه العادة المتبعة هنا ، طلبت قهوة بالحليب ، وبعد تناول فطورنا لاحظت أن صالح هو الذي تكفل بعملية الحساب ، فكتب رقما تحت قيمة الفاتورة ، فسألته لماذا كتب ذلك الرقم ، فقال لي هنا الإكرامية “البخشيش” ويسمى هنا “تيب” يكون بمقدار 10-15 % من قيمة الفاتورة ، وإذا زاد عدد الأشخاص عن خمسة في فاتورة واحدة فإن المحاسب يضعها مباشرة في الفاتورة بحوالي 20% ثم عليك أنت أن تضع مبلغ بسيط للنادل إذا أردت، وأضاف لي معلومة جديدة بأنه من الطبيعي أن يأتي مجموعة إلى المطعم ، وكل واحد يحاسب عن نفسه بفاتورة منفصلة وهو شيء عادي جداً وجدناه هنا ثم أعجبنا فأصبحنا نستخدمه ،بعد الفطور توجهنا إلى شركة التلفونات للحصول على شريحة جوال يمكن أن تعمل على الجوال الذي معي ، وفعلاً ذهبنا إلى شركة معروفة وكان هناك عدة خيارات ، إما شريحة مسبوقة الدفع بمبلغ محدد في الشهر بها عدد غير محدود من المكالمات وكذلك الرسائل وعدد محدود من معلومات الإنترنت (إنترنت داتا) ، وكذلك هناك خيار آخر يكون شريحة بفاتورة برسائل مفتوحة وإتصالات مفتوحة وكذلك معلومات إنترنت غير محدودة وهي أغلى قليلاً من الخيار الأول بفارق بسيط وحسب الإستخدام أيضاً، كان من الضروري الحصول على تلفون لإستخدامة في التواصل وكذلك لإضافته إلى معلوماتي الشخصيةلفتح الحساب في البنك ، لم يستغرق منا الحصول على الشريحة أكثر من خمسة عشر إلى عشرين دقيقة ، وكانت وجهتنا الثانية الذهاب إلى البنك لفتح حساب جاري ، وصلنا البنك وبعد تسجيل أسمي في قائمة الإنتظار عند موظف الإستقبال ، أنتظرنا حوالي عشر دقائق فطلب منا موظف الإستقبال التوجه إلى موظف آخر لفتح الحساب ، كان راشد معي ، بعد أن رحب بنا الموظف أفهمه راشد بانني أريد أن أفتح حساب جاري أساسي ، وحساب فرعي ، طلب مني الموظف صورة الجواز ، وصورة التأشيرة ، وصورة الأي تونتي ، وعنوان البريد الإلكتروني ، والبريد الثابت ، وحيث أنه ليس لدي بريد ثابت أستخدمت عنوان راشد مؤقتاً ، أستغرق فتح الحساب حوالي نصف ساعة ثم صورني الموظف لوضع صورتي على بطاقة الصراف وطلب مني إدخال رقم سري مرتين ، ثم أستلمت بطاقتين مؤقتة للحساب الأساسي ، والفرعي ، لم يكن مطلوباً مني إيداع أكثر من عشرين دولار لفتح الحساب كأقل مبلغ ، وخرجت مع الموظف إلى جهاز الصراف الآلي وأجريت أول عملية إستفسار عن الرصيد وذلك لتفعيل الحساب ، بعدها أودعت المبلغ الذي كان بحوزتي ، فدارت الأسئلة في رأسي وبدأت تنساب على راشد ، أولها كان “لماذا جعلتني أفتتح حسابين رئيسي وفرعي” فقال لي حيث أن المكافأة تنزل في الحساب الرئيسي وهو الذي سأعلمك لاحقاً كيف يتم ، لهذا طلبت منك فتح حسابين ، أما الحساب الثاني فيكون لإستخدام بطاقته للمشتروات اليومية ودفع الفواتير والإيجار وكذلك لشراء الكتب وغيرها عن طريق الإنترنت وهذا يكون أأمن بالنسبة لك إذ أنك بعد نزول المكافأة في الحساب الأساسي تحول منه عن طريق الإنترنت إلى الحساب الفرعي بقدر حاجتك وتستخدم فقط البطاقة الفرعية لجميع مشترواتك ، وذلك حتى إن حصل لا سمح الله أن فقدت البطاقة أو أشتريت من مكان أو موقع غير آمن فإن المخاطرة تكون أقل ، وهناك طريقة أخرى وهي بعد أسبوع من الآن أو بعد إستلام البطاقات الدائمة ، يمكنك مراجعة البنك وإصدار بطاقة إئتمانية مسبوقة الدفع أو ما تسمى بالإنجليزي (سيكورد كردت كارد) حيث تدفع مبلغ معين ، مثلاً ثلاثمئة أو خمسمئة دولار ثم تستخدم البطاقة كبطاقة إئتمانية وتغذيها عن طريق الإنترنت من وقت لآخر ، وهذه تنفع كثيراً في شراء تذاكر الطيران الداخلية ، إستئجار السيارات ، وكذلك حجز الفنادق حيث أن شركات تأجير السيارات لا تقبل إلا بطاقة إئتمانية لحجز مبلغ الإيجار ، وكذلك يمكنك إستخدامها للشراء من الإنترنت لتجنب مخاطر بعض المواقع التي بها تحايل ، سألت راشد متى نذهب للمعهد ، فقال لي سنذهب يوم الأثنين ، وحيث أن اليوم هو الجمعة وقدقاربت على الواحدة والنصف سندهب إلى مسجد قريب للصلاة .

دخلنا المسجد وكان صغيراً عبارة عن محلات ثلاث تجارية تم إزالة الحواجز التي بينها وإقفالها وعمل ستائر على الزجاج وتحويلها إلى مسجد تقام فيه الصلوات الخمس والجمعة ، لم يكن هناك ميكروفونات خارج المسجد لأن ذلك غير مسموح به ، وإنما الأذان يرفع داخل المسجد ، كان المسجد مزدحماً بالمصلين من جميع الجنسيات ، خطب الإمام خطبة تخللها جزء باللغة الإنجليزية وبعضها بالعربي ولاحظت أن بعض المصلين يضعون سماعات على أذانهم وأمامهم جهاز صغير يشبه الجوال ، بعد الصلاة سألت راشد عنها ، فقال لي هذه الأجهزة موصلة بمترجم يترجم اللغة العربية إلى الإنجليزية لبعض المصلين ، شكرت الله على نعمة الإسلام التي أنعم بها علينا ، عرفت بعد ذلك أن هناك عدد من المساجد الصغيرة في هذه المدينة تم تاسيسها بعد أخذ الإذن من حكومة الولاية بمجهودات فردية ويقوم على خدمتها عدد من الأشخاص وتتلقى تبرعات من بعض المصلين من خلال صندوق يوضع داخل المسجد للصرف على إيجار المسجد والكهرباء والمستلزمات الأخرى.

بعد الصلاة توجهنا إلى سيارتنا بعد أن سلمنا على عدد من الطلبة السعوديين وقضينا معهم وقت قصير في أحاديث عابرة وكذلك عرفني رفيقاي عليهم ، كان لقاءً عابراً وسمعت بعضهم يقول لقاؤنا الليلة عند أبو عبدالله ، كانت الساعة قد قاربت الثالثة فتوجهنا بعدها إلى أحد المطاعم لتناول طعام الغذاء ، عند الدخول إلى المطعم وقفنا في إنتظار أحد العاملين في الخدمة لإيصالنا إلى مقاعدنا ” وهذا نظام متبع في بعض المطاعم حيث ينتظر الزبون حتى يأتي شخصاً ما ليوصله إلى مقعد مناسب له ” ، وقد شرح لي راشد بأن صالة الطعام مقسمة إلى أجزاء كل جزء مسؤول عنه فرد أو فردين من العاملين لخدمة الزبائن ، كان المطعم مختلفاً نوعاً ما عن الذي تناولنا فيه الإفطار ، وكما هو متبع بعد أن أحضر قوائم الطعام ، سألنا ماذا تشربون ، فطلبنا بعض المشروبات الغازية ثم أخذت أقلب قائمة الطعام وأنا بالتأكيد لا أفهم إلا القليل نسبة لما تعلمته في الثانوية ، كنت أتهجأ الكلمات ولا أفهم ماذا تعني ، أشرت إلى طبق معين ، فقال لي راشد أنتظر حتى أقرأ المكونات وبعد أن قرأها قال توكل على الله وأطلب ، عاد إلينا مضيفنا ، فطلب منه راشد ثم صالح ، وعندما جاء دوري أشرت إلى الطبق الذي رأيت صورته ، فتبادل راشد مع المضيف كلمات لم أفهم منها إلا بعض مما قاله المضيف (نو هام ) ، فقال راشد (أوكيه) ، سألت راشد “أيش في” فقال حبيت أتأكد أن الأكل لا يوجد به لحم خنزير لأن بعض الوجبات يضعون عليها لحم الخنزير حتى لو كانت وجبه بحرية وللإحتياط غالباً نسال المضيف إن لم نكن نعرف الوجبة أو لم نكن قد جربناها من قبل ، ونفس الشيء عند الشراء من المحلات التجارية ، هناك طريقتان لتعرف بها إن كان ما تشتريه يحتوي على لحم الخنزير أم لا ، فعليك أن تطلع على مكونات المنتج أو تبحث عن أحد هذه العلامات الثلاث  أو كلمة كوشير باللغة الإنجليزية ( Kosher ) فهذا معناه أن المنتج خالي من لحم الخنزير ومشتقاته ، قلت في نفسي “ياكُثر الأشياء اللي بتعلمها هنا ، الله يعينني” ، تناولنا طعامنا في صمت عدا بعض الكلمات البسيطة … كنت غير متعود على الأكل بالشوكة والملعقة والسكين ولهذا كان صحني يصدر أصواتاً وكأنني في ورشة حدادة أو سمكرة ، نبهني صالح برفق لأن أخفض صوت الورشة التي أفتتحتها منذ وصول الطعام، ففعلت برحابة صدر، كيف لا وأنا هنا أتيت لأتعلم من كل شيء مفيد.

بعد الغذاء عدنا إلى الفندق وكانت شمس يوم الجمعة قد قاربت على  المغيب ، قال لي صالح أطلع أرتاح وإن شاء الله نمر عليك الساعة الثامنة والنصف ، يعني عندك حوالي ثلاث ساعات لأننا سنذهب إلى “المركاز” ، سألته أيش قصدك ، فأجابني ستعرف لاحقاً ، وصلت غرفتي وبعد أداء صلاة العصر ، نمت مباشرة لأن تعب السفر لا زال مستمراً ، كنت مستغرباً ذلك وإنما تذكرت بأن الساعة الداخلية للجسم البشري “الساعة البايولوجية” تحتاج إلى 75 ساعة لتتوافق مع التوقيت الجديد حسب فارق التوقيت،المهم أستغرقت في النومة ولكن هذه المرة صحوت في الوقت المناسب ونزلت إلى بهو الفندق ولم يمض وقت إلا وراشد عند باب الفندق ومعه صالح وشخص ثالث عرفت أنه “منصور” وهو مثلي جديد ، أو كما قال لي “أنا زيك بكرتوني” … ضحكنا جميعاً ثم ركبنا السيارة في طريقنا إلى المركاز كما قال صالح ، ركب راشد بجوار صالح وبالطبع ربط الحزام ثم أنطلقنا..… إلى اللقاء في رسالة قادمة.

 

 للإطلاع علي الحلقات السابقة : اضغط هنا

 

 

2 تعليق على “رسائل مبتعث – ٣

شجن

رواية جميلة جداً
آهنيك على أسلوبك الراقي

عبدالعزيز الصحفي

يسعدني متابعتكم.
جمل الله أيامكم بالسعادة والهناء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *