“مساعد” يا شراعًا لا تثنيه الرياح!

خليص محافظة جميلة هادئة تحظى ببرّ أبنائها منذ نشأتها وحتّى يومنا هذا .. ومن أبرّ ابنائها الشّيخ (مساعد عبد الرّحيم المغربي) وهو شاعر فذّ حكيم ذكيّ شجاع صاحب فكر نيّر ومشاعر جيّاشة بالحبّ والإخلاص يجيد الحديث والحوار والشّعر وفنّ التّعامل مع الآخرين على اختلاف أساليبهم .

نشأ هذا الشّاب مع أخواته السّبع إذ وُلد بعد خمس بنات فكان له النّصيب الأكبر عند والديه من الرّعاية والاهتمام والتّفضيل على أخواته وهذا الأسلوب في التّربية جعله يتعاطف من أخواته كثيراً ويحاول إسعادهنّ والوقوف معهنّ دائماً بل مع كل امرأة بشكل عام .. وعندما كبر هذا الشاب تعلم على يد شيخه (الشنقيطي) وسعى مع مجموعة من شيوخ القبائل للقضاء على الجهل المنتشر في ذلك الوقت حيث كان الناس يهتمّون بتعليم الذّكور دون الإناث ما أثار حفيظة الشّيخ مساعد ورفض أن تبقى الأمّ والأخت والابنة في ظلمات الجهل لأنّه كان يدرك جيدا” أن تعليم المرأة والاهتمام بإعدادها سيحيي المحافظة كلّها وسيكون أثره إيجابياً في تطوير المجتمع متمثّلا قول الشاعر حافظ إبراهيم:

الأمّ مــدرسـةٌ إذا أعــددتـهـــا

أعـددت شعبا ً طيّب الأعــراق

الأمّ روضٌ إن تعهّــده الحيـــا

بالـــريّ أورق أيّمـــا إيــــراق

الأمّ أستــاذ الأساتــذة الأُلــــى

شغلت مآثرهم مدى الآفـــــاق

ولكنه قوبل بالرفض والانزعاج من الشّيوخ المرافقين له بل من المجتمع كله ولكنه -رحمه الله- أصرّ على ذلك بقوة وناضل لوحده من أجل تعليم المرأة وأخذ يتنقّل ويسافر وحيداً من مكان إلى آخر ليحظى بالموافقة على افتتاح مدرسة لبنات خليص رغم رفض الجميع متحدّيا ًبذلك كلّ العادات والتّقاليد الّتي تمنع خروج الفتاة من بيتها إلّا للرّعي أو لالتقاط ثمار التّمر من النّخيل.

وعندما استلم قرار فتح مدرسة للبنات رفض أولياء الأمور تسجيل بناتهم فأخذ يتنقّل بين القبائل ليقنعهم بذلك ولكن لاحياة لمن تنادي.. فما كان منه إلا أن سجّل بناته وبنات إخوانه وأخواته ..وتمّ الافتتاح وجعل مقرّ المدرسة بيت ابنه وهو عبارة عن غرفتين من الحجر بمساحة ٧ x ٥ وغرفه الإدارة ٤x٤.

وبعد ذلك قام أبناء عمومته بتسجيل بناتهم بينما أصرّ بقيّة القبائل على عدم تعليم بناتهم واستمرّ الحال لمدة عامين مع تكرار المحاولة منه -رحمه الله- وبمساعدة عدد من الشّباب ممّن ذاقوا حلاوة العلم واستطاعوا أن يقنعوا الأهالي بتسجيل بناتهم مع بنات المغاربة في المبنى الجديد في (الابتدائية الأولى بخليص للبنات) وما زالت هذه المدرسة والفصول الأولى موجودة حتّى وقتنا الحاضر..

في هذه المدرسة تحطّمت أصنام الجهل وتلاشت العادات السيّئة وانطلقت فتاة خليص تنهل العلم بشغف عذباً فراتاً سلسبيلاً على يدي معلمات فاضلات من جنسيّات عربيّة مختلفة وكافحت في سبيل تعلمها مضحيّة بأوقات راحتها لتستزيد من العلم فهي خادمة مطيعة في بيت أهلها أو زوجها تهتمّ بكلّ شؤون المنزل مع استقبال الضّيوف في اَيّ وقت (فالبيت مفتوح والخاطر مشروح للضّيوف) بدون مواعيد مع عدم وجود خادمات للمساعدة وأحياناً عدم وجود غسّالة للملابس حيث كان الغسيل يتمّ باليد في أغلب الأسر إضافةً إلى أنّ البيوت فيها باحات مفتوحة ممّا يجعل لها النّصيب الأكبر من الأتربة والغبار والأمطار.. وكان على يجب على الفتاة الانتهاء من تنظيفها على أكمل وجه ليُسمح لها بفتح حقيبتها المدرسيّة والقيام بحلّ واجباتها وحفظ دروسها .. ورغم ذلك كانت تشعر بالمتعة والانشراح لأنها أدركت قيمة الخروج من ظلام الجهل إلى نور العلم فصمدت أمام كلّ التّحدّيات والإحباطات التي كانت تواجهها مثل قولهم : ( لا تهلكين نفسك بالقراءة ما راح تنفعك!).

وقبلت الفتاة التحدي بعزيمة لا تلين مصمّمة على بلوغ ما تطمح إليه. وخلال ١٣عاماً تخرّجت بنات الدفعة الأولى ثمّ الثانية ثم الثالثة من معهد خليص الثّانوي وقد تمّ تعيينهنّ جميعاً في مدارس المحافظة وبدأ التّطور المتصاعد في وعي وثقافة المجتمع، وقرّت عين شيخنا الفاضل برؤية بنات المحافظة وهنّ معلمات ومديرات ومُشرفات يشرّفن أهالي المحافظة في كلّ محفل.

أ. حنان سعد مساعد المغربي

قائدة تربوية سابقة بتعليم خليص

مقالات سابقة للكاتب

20 تعليق على ““مساعد” يا شراعًا لا تثنيه الرياح!

مريم جومر

بوركت يا حنان ودام ألقك ..أرجو لك التوفيق
لك مودتي وتقديري وإعجابي بك وبجدّك المستنير الشيخ مساعد رحمه الله وأكرم مثواه طيّب الذّكر الّذي كان له من اسمه كلّ النّصيب

د حمزة المغربي

جزاك الله خيراً أ حنان، أتخفّظ على ما ذكرتيه من الممانعة و الرفض المطلق من المجتمع حول تعليم المرأة، نعم كان البعض يمانع و البعض متخوّف و البعض ينتظر ليرى ما تؤول إليه الأمور لكن هنالك من هو موافق و مؤيد لتعليم المرأة، و لا نغفل دور الأستاذ يحي بن مرعي المغربي الذي كان له دوراً هامّاً أيضاً في إقتاع كبار السن من الآباء و خاصّة المشايخ و ذوي النفوذ، جزاهم الله خيراً جميعاً، و رحم الله الشيخ مساعد فقد كان حليماً سمحاً جواداً حكيماً كريماً و كان منارة في محافظة خليص خاصّة في مجال الإصلاح و الجود و الأمر بالمعروف و الصّلة و التواصل.

فهد ال بريك

كنت في السابق أمر على هذه المحافظة الجميله بأهلها
وبعد ما أشترك في غران وهي صاحبة هذا الفضل
عرفت عنها الشي الكثير شكراً لغران وشكراً لكل مبدع من
أهل هذه المحافظه … متابع لكم بشغف من الباديه.

أم الشيخ

بارك الله في الشيخ مساعد وفي كل يد كافحت من أجل المرأة في خليصنا الحبيبة جعل الله كل ماقدموه في ميزان حسناتهم وجزاهم الله عنا خير الجزاء

سعيد الصحفي

بارك الله فيك .. ياحنان
الشيخ مساعد رحمه الله وتغمده بواسع رحمته .. اسما لامعا في المحافظة.. ورجلا يُكتب اسمه باحرف من ذهب في جبين المحافظة.. انجازاته وفضل اياديه لم تقتصر على سعيه لفتح مدرسة لتعليم المرأة فحسب بل شملت مشروعا متكاملا لتطوير المحافظة وازدهارها والرقي بثقافة اهلعا..
ترك بصمة لن ينساها التاريخ . فقد كان شيخا حكيما فذا قائدا شاعرا .سبق وقته بنظرته الثاقبة لمستقبل المحافظة

رحمك الله ايها الشيخ الفاضل.. وجزاك الله خيرا على ماقدمت وانجزت
وشكرا لك كاتبتنا حنان على هذه اللفته الطيبة لمثل هذه الهامات والقامات من الرجال

أم عبدالرحمن

جزاك الله خيرا أ. حنان
وجزى الشيخ مساعد عن خليص وأهلها خير الجزاء
مقال يسطر بماء الذهب وحفظ لنا تفاصيل فترة هامة من فترات تعليم المرأة في المملكة وجهود الطيبين المخلصين في النهوض بالمرأة وحفظ حقوقها في التعليم
الشكر لقلمك السخي
والرحمة والمغفرة لروح ابن خليص البار الشيخ مساعد المغربي

غير معروف

رووعة استاذة حنان تثبيتك للحقائق باسلوب شيق وممتع

فاطمة الجباري

ما هذا الجمال يا حنان
تسلسل الأحداث بأسلوب قصصي رائع شكر الله سعي الشيخ مساعد هو وأمثاله ممن نفخر بهن مثلن النساء وادفعن عن حقوقهن وساهمن في نشر العلم ومحاربة الجهل
نرفع القبعة له أحتراماً وللكاتبة تحيةً وسلاماً

بدرية الصبحي

أسعد الله أوقاتك أ. حنان نسيم الذكريات عليل، وموجات التغيير مليئة بالصعوبات.
جزى الله الشيخ مساعد خير الجزاء ورحمه وجعل مثواه الفردوس الأعلى.

حنان المزروعي

سلمت الأنامل التي كتبت ودام تألقك أم سعد لك كل حبي وتقديري 🌹

أم عاصم

رحم الله الشيخ مساعد رحمة واسعة وجعل ماقدم لبنات هذه المنطقة في ميزان حسناته وجزاك الله خيرا زميلتنا العزيزة اطلعتينا على بدايات شيقة لتعليمنا في هذه المنطقة لم نكن نلم بكل أحداثها.شكرا أتمنى لك مزيدا من التألق.

أ.نويفعة الصحفي

عندما قرأت هذا المقال استشعرت بأن محبي العلم والتعليم موجود منذ عهود سبقت . وان وجدت ممانعة فقد يكون لاصحابها وجهات نظر لا اكثر لكنها ليست ضد التعليم فكثيرا ما كنت اسمع من والدي رحمه الله من القصص لعهد سبقه في الزمن ان الناس تفخر بتعليم اولادها .. وأن التعليم نور لكل زمان ومكان ..
وهذا المقال سطرت لنا فيه استاذتنا حنان سعد الأثر الطيب للشيخ مساعد المغربي والفضل الكبير الذي ساهم فيه وقد يكون معه محبي العلم ممن كانوا على عهده ..
وقد بقيت سيرتهم نهجا مستمرا في أولادهم ومن بعدهم ..
فجزاهم الله كل خير وجعل ما قدموه مثقل لموازينهم .
شكرا لك استاذتي حنان سعد وبارك الله فيك .

أسامة سعد مساعد المغربي

رحم الله جدي رحمة واسعة وجعل كل ما قدمه للمحافظة وأهلها في موازين حسناته سعى في تعليم المرأة فكان له ما أراد.

سمر اللبدي

رحمه الله رحمة واسعه وجعل مافعله في موازين حسناته
شكرا لكِ استاذه حناان مقال رائع ❤️

احلام اللبدي

شكرا جزيلا على هذا المقال الرائع والمتميز
لقد كتبتي وابدعتي وجعل ماقدمتوه في موازين حسناتكم
بارك الله فيكِ وفي كتاباتك الرائعة
استاذتي حنان❤️❤️

ام فارس

كعادتك غاليتي لاتأتين إلا بالأجمل من كل جميل
الشيخ مساعد تغمده الله بواسع رحمته اسماََ لامعاََ ف المحافظه تشهد له إنجازاته
ترك بصمة لن ينساها التاريخ
رحمه الله وجعل ماقدمه في ميزان حسناته
لكِ مني ارق تحيه وأجمل تقدير

من الأحفاد

ما شاء الله كلام جميييل اول مرة اسمع فيه وطريقة كتابتها مشوقة الله يعطيها العافيه ام سعد الله يرحم جدنا الغالي ويجعله في الفردوس الاعلى من الجنة .

د. شذي الطيب الفكي موسي

الاستاذه الجليلة من خيار السعودين الذين عرفتهم في أرض المهجر سلسه الكلام حيويه التعابير سمحه الخلق الاخلاق شاعرة تنتقي المعاني اليوم بمقالها هذا عرفنا معلومات جميله وتاريخ مشرف يعطيك العافيه هذة بصمه يفتخر بها كل امثالك لي الشرف في معرفتك

أسماء أحمد الصعيدي

الحمد لله الذي سخر لهذه المحافظة من يرفع من قيمة تعليم المرأة وأصبح في خليص من المتعلمات من ينافس على أهم المناصب في التعليم رحم الله الشيخ مساعد والشيخ مرعي وآخرون لانعلمهم الله يعلمهم ويجازيهم بفضله وكرمه
أختي حنان لا أدري أموضوع المقال أنا أكثر أعجاباً به ؟ أم الكاتبة حفظك الله تعالى ورفعك بما تكتبين مكاناً علياً

غير معروف

في طريق الوصول الى ما نأمل قد نفقد أشياء حتى نصل ..
سندرك بعدها أننا حصلنا على مانستحق فليس كل المكاسب تُرى بالعين المجردة وليس كل انتصار يصفق له الجمهور..
بعض الانتصارات خفية .. متراكمة .. متضاعفة .. تزيدنا قوة وحكمة وتناغم مع أنفسنا والحياة ..
.قد تأتي على هيئة مصاعب تزيدنا يقينا وإدراكا أن هذه الحياة لا ينالها إلا من يصارع التحديات فيها.
حقاً إن كل الكلمات لا تفي ومهما كتبت لاتشبع رغبتي في البوح ولا تهدأ إرتجاف شعوري
..
ثمة مشاعر وأحاديث لا ننفك عنها ولا تنفك عنا بل تبقى عالقة بين النبض والذاكرة .
على ناصية الحلم قاتلتي حتى انتصرتي لذا لم يكن من المستغرب أن تنالي تلك المكانة المرموقة في قلوب محبيك

كيف اصف روح طالما رغبت في الحياة وآمنت بنفسها
وأدركت أن مزيدًا من الإيمان والاصرار والثقة يحول الحلم الى حقيقة والمستحيل إلى ممكن ..

سرد راقي وكلمات تعرف طريقها الى القلب دون إستئذان
لا أظنني مهما كتبت أني افيك حقك ولا أعتقد أنني فعلت ..

سلمت يمنك معلمتي الفاضلة ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *