من البديهي أنه يصعب على النفس الإنسانية أن تسامح أو تعفو عمن ظلمها؛ لأن هذه النفس تتصف بالضعف والجهل، وبالتالي تميل إلى استنكار تلك الإساءة وتتمنى لو أنها لم تحدث، فتفكر فيها كثيراً، وقد تسيطر على تفكيرها، وقد يقودها ذلك إلى الرغبة في الانتقام.
والتساؤلات التي يمكننا أن نطرحها هي:
كيف يمكننا أن نحافظ على سلامتنا، أو راحتنا النفسيه عندما يؤذينا أحدهم، أو يخيب أملنا؟ وكيف يسيء إلينا أحدهم ويلحق الضرر بنا، ونصبر ونعفو من دون أن نشعر بالظلم الشديد؟
بغض النظر عن الضرر الذي يسببه شخص أساء إلينا، كغدر صديق، أو قسوة أب، أو قطيعة رحم، أو إساءه في العمل، فإن العفو يؤدي بنا إلى نوع من الطمأنينة والأمان.
إن العفو لا يعني إنكار الخبرات المؤلمة أو نسيانها، بل يعني الإصرار على عدم السماح للمشاعر السيئة بتدمير حاضرنا، حتى ولو أفسدت علينا ماضينا.
يبدأ السماح بكظم الغيظ، فمن يتمكن من السيطرة على طريقته في التعبير عن غضبه؛ يمكنه أن يسامح ويعفو.
لا يعني أن تسامح ممن أساء إليك أن تكبت غضبك، ولا يعني أنك قبلت الإساءة، أو أنك قللت من شأنها، بل يعني أنك وصلت إلى مرحلة من النضج والحكمة ما يجعلك تفهم أن القوة في التسامح، وتفهم أيضاً أنك مسؤول عن مشاعرك وتصرفاتك، وبالتالي تدرك أن إلقاء اللوم على الآخرين، وأخذ الأمور بشكل شخصي لا يجدي نفعاً، بل يضر بك ويستهلك من طاقتك.
فمن الحلول الناجعة للغضب الذي بداخلنا نتيجة وقوع الظلم، أننا قد نعاقب المسيء بتغيير طريقة معاملتنا له، أو الدفع بالتي هي أحسن، لكن لانعطيه مساحةً في عقولنا، أو بالأحرى لا نعطي إساءته مساحةً في عقولنا؛ لأنه لا يستحق أن نضيع طاقتنا في التفكير، أو التركيز على أخطائة ولومه.
إنه عندما نستجيب لعواطفنا الراغبة في الأخذ بالثأر عمن ظلمنا؛ فإننا نغذي الغضب والألم بداخلنا، وقد تبقى الجراح مفتوحة، وبدلاً من الشعور بالراحة والحرية العقلية المرتبطين بصفاء القلب؛ نصبح مستعبدين للشخص الذي ظلمنا، أو أساء إلينا؛ لأننا وجَّهنا طاقتنا للتفكير في ما قام به نحونا وملأنا عقولنا بضجيج التساؤلات المتعقلة بنوعية إساءته.
ويمكننا بدلاً من ذلك أن نتعلم كيف نقلل من درجة معاناتنا بعدم إلقاء اللوم على من أساءنا ونتحمل مسؤولية ما نشعر به من معاناة ونبحث عن حلول من داخل أنفسنا.
إنه بالاستسلام لمشاعر الحقد والغضب والألم واللوم؛نؤذي أنفسنا وتتلاشى طاقتنا؛ فنزداد انحداراً وخسارة.
فالتسامح يأتي حين ترى أنه لا هدف من حمل الضغينة واجترار ألم الظلم سوى أنه يقوي الإحساس الزائف بالأنا.
والرؤية هنا فعل تحرر من تلك الحمولة الذهنية.
وما قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم “اذهبوا فأنتم الطلقاء” إلا طريقة لإفشال إحدى البنى الأنوية الأساسية في العقل البشري.
فبالعفو والتسامح نربح أنفسنا ونتمتع بالحرية العقلية وصفاء القلب؛ وبالتالي ننعم بالسكينة والأمان الداخلي.
وبالتسامح نساعد أنفسنا على الاستيقاظ؛ لنرى النور الذي بداخلنا.
سليمان مسلم البلادي
مستشار الوعي الإنساني
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي