ألم التسامح!

من البديهي أنه يصعب على النفس الإنسانية أن تسامح أو تعفو عمن ظلمها؛ لأن هذه النفس تتصف بالضعف والجهل، وبالتالي تميل إلى استنكار تلك الإساءة وتتمنى لو أنها لم تحدث، فتفكر فيها كثيراً، وقد تسيطر على تفكيرها، وقد يقودها ذلك إلى الرغبة في الانتقام.

والتساؤلات التي يمكننا أن نطرحها هي:
كيف يمكننا أن نحافظ على سلامتنا، أو راحتنا النفسيه عندما يؤذينا أحدهم، أو يخيب أملنا؟ وكيف يسيء إلينا أحدهم ويلحق الضرر بنا، ونصبر ونعفو من دون أن نشعر بالظلم الشديد؟
بغض النظر عن الضرر الذي يسببه شخص أساء إلينا، كغدر صديق، أو قسوة أب، أو قطيعة رحم، أو إساءه في العمل، فإن العفو يؤدي بنا إلى نوع من الطمأنينة والأمان.
إن العفو لا يعني إنكار الخبرات المؤلمة أو نسيانها، بل يعني الإصرار على عدم السماح للمشاعر السيئة بتدمير حاضرنا، حتى ولو أفسدت علينا ماضينا.
يبدأ السماح بكظم الغيظ، فمن يتمكن من السيطرة على طريقته في التعبير عن غضبه؛ يمكنه أن يسامح ويعفو.
لا يعني أن تسامح ممن أساء إليك أن تكبت غضبك، ولا يعني أنك قبلت الإساءة، أو أنك قللت من شأنها، بل يعني أنك وصلت إلى مرحلة من النضج والحكمة ما يجعلك تفهم أن القوة في التسامح، وتفهم أيضاً أنك مسؤول عن مشاعرك وتصرفاتك، وبالتالي تدرك أن إلقاء اللوم على الآخرين، وأخذ الأمور بشكل شخصي لا يجدي نفعاً، بل يضر بك ويستهلك من طاقتك.
فمن الحلول الناجعة للغضب الذي بداخلنا نتيجة وقوع الظلم، أننا قد نعاقب المسيء بتغيير طريقة معاملتنا له، أو الدفع بالتي هي أحسن، لكن لانعطيه مساحةً في عقولنا، أو بالأحرى لا نعطي إساءته مساحةً في عقولنا؛ لأنه لا يستحق أن نضيع طاقتنا في التفكير، أو التركيز على أخطائة ولومه.
إنه عندما نستجيب لعواطفنا الراغبة في الأخذ بالثأر عمن ظلمنا؛ فإننا نغذي الغضب والألم بداخلنا، وقد تبقى الجراح مفتوحة، وبدلاً من الشعور بالراحة والحرية العقلية المرتبطين بصفاء القلب؛ نصبح مستعبدين للشخص الذي ظلمنا، أو أساء إلينا؛ لأننا وجَّهنا طاقتنا للتفكير في ما قام به نحونا وملأنا عقولنا بضجيج التساؤلات المتعقلة بنوعية إساءته.
ويمكننا بدلاً من ذلك أن نتعلم كيف نقلل من درجة معاناتنا بعدم إلقاء اللوم على من أساءنا ونتحمل مسؤولية ما نشعر به من معاناة ونبحث عن حلول من داخل أنفسنا.
إنه بالاستسلام لمشاعر الحقد والغضب والألم واللوم؛نؤذي أنفسنا وتتلاشى طاقتنا؛ فنزداد انحداراً وخسارة.
فالتسامح يأتي حين ترى أنه لا هدف من حمل الضغينة واجترار ألم الظلم سوى أنه يقوي الإحساس الزائف بالأنا.
والرؤية هنا فعل تحرر من تلك الحمولة الذهنية.
وما قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم “اذهبوا فأنتم الطلقاء” إلا طريقة لإفشال إحدى البنى الأنوية الأساسية في العقل البشري.

فبالعفو والتسامح نربح أنفسنا ونتمتع بالحرية العقلية وصفاء القلب؛ وبالتالي ننعم بالسكينة والأمان الداخلي.
وبالتسامح نساعد أنفسنا على الاستيقاظ؛ لنرى النور الذي بداخلنا.

سليمان مسلم البلادي
مستشار الوعي الإنساني
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

11 تعليق على “ألم التسامح!

ابو عبدالله

كلام جميل ومن يطبقه ينعم بالسلام الداخلي

سليمان مسلم البلادي

ا.أبوعبدالله
بالفعل ينعم بالسلام الداخلي.
شكراً لمرورك الجميل.

أ.نويفعة الصحفي

التسامح مبدأ وقيمة إنسانية عظيمة تحمل في ثناياها معانٍ نبيلة وثمينة كونها زينة الفضائل وتتربع على عرش القيم الأخرى فهي تنقي القلب وتطهر الروح وترق لها النفس وتقرب الأشخاص من بعضهم البعض ..فكن ايها الانسان متسامحاً معطاءً على الدوام ترى نور الله في كل شيء من حولك فهناك نعيماً لا يبصره إلا من سامح وأحسن الظن بالله فروعة الانسان ليس بما يملك بل بما يمنح فما أجمل أن تكون كالمطر حيثما وقع نفع..ولعلنا نعلم جيدا أن قيمة التسامح تحتاج منا قوة وضبط نفس خاصة مع من اخطأ في حقنا ..فهذه القضيلة تحفظ توازن الفرد؛ فلا تبقيه في دائرة الظنون المُستمرّة، التي تُجهد النفس، وتُتعب الأفكار، وتسبب له الالم وتنقله الى الشعور بالراحة لأنه نال كرامة العفو والتسامح الذي امر الله تعالى (فاصفح الصفح الجميل) ..
وهو صفة من صفات الأنبياء العظماء و قدوتنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال: (أن تعفو عمن ظلمك وتصل من قطعك وتعطي من حرمك).
شكرا لك استاذ سليمان ابدعت بارك الله فيك ونفع بعلمك .

د. امل

التسامح يحتاج لقوة لتتسامى النفس ..

حميد اللبدي

العفو والتسامح من شيم وطباع الكرام .
( ومن عفا واصلح فأجره على الله ).
والتسامح يجمع الشمل ويقرب القلوب الى بعضها
ويجلب المحبة بين الناس .
جزاك الله خيرا أيها الكاتب الفاضل على هذا المقال
الاستاذ سليمان نفع الله بك .

مريم عمران

فعلا مقال يستحق كل معاني التقدير !!
نفع الله بكم أستاذ سليمان وزادكم من فضله

المدرب الاسري خالد خياط

فمن عفا واصلح فاجره على الله

ديلاور

ديننا دين التسامح والمحبة وقد جعل رسولنا صل الله عليه وسلم من التسامح مفهوم عملي وقت ألقوه و كذالك في حاله الضعف وان التسامح ليس مجرد قيمه وذالك لتعم المحبة فأي خلق عظيم حينما رجع من الطائف وقد سلطوا عليه سفهاءهم وأدموا قديمه يقول له ملك الجبال يا محمد انا رهن إشارتك مرني ان اطبق عليهم الاخشبين ليقول ما معناه لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبده وينصر دينه والموقف الآخر وهو في قوته ليعلمنا درس عملي فى الشعور بالمسؤليه حينما قال لكفار مكه اذهبوا فأنتم الطلقاء فحينما اغفلنا الفهم الحقيقي لسيرة نبي هذه آلامه انتشرت لدينا ثقافه الانتقام ثقافة الغضب ثقافة الحسد والكره والعنصرية حتى اصبح البعض لا خلق ولا أخلاق والعياذ بالله. مستشارنا لست بشيخ دين او ذالك المثقف الذي يشار اليه بالبنان حتى افتي في شؤون العامه بل متعثر دراسيا ومشتت أسريا ولكن من خلال تجاربنا وما نعيشه وعايشناه اصبح التسامح عند البعض يصرف تحت بند الضعف. اتذكر في احدى الجلسات وأثناء حوار عبثي مع احد الأشخاص كانت بينه وبين أخيه شحناء وخصومه ( حكاوى ماسخه ) تكلمنا عن التسامح والمحبة وأنه يزيد الشخص رفعة ومكانه وأنه خلق المسلم فكان يرد بآيه قرآنينه يجهل معناها الحقيقي (( ولا تصعر خدك للناس )) حاولت إقناعه بان المفسرين اتفقوا جميعا بان معنى (لا تصعر ) أي لا تحتقر الناس لا تتكبر لا يصيبك الغرور ، والصعر مرض يصيب الإبل ويجعلها معوجة العنق. الخلاصه نحن بحاجه ماسه لنشر ثقافه التسامح وان نحسن التعامل مع السلوكيات والظروف المزعجة وان لا نغلق نافذه التسامح من حياتنا.
مستشارنا روشته بها بلسم شافي للتقليل من التوتر وكسر الصوره النمطية التى تربى البعض عليها بان التسامح شعورا بالضعف واستسلام.

نفاع بن مهنا بن ماضي الصحفي

عندما تأتي إلى أحدهم و تعتذر منه بشأن إساءة بدرت منك تجاهه يبادرك بالقول و على الفور “أنا أصلا نسيتها” و أنت تعلم يقينا أنه ليس كذلك .. سؤالي أخي
سليمان هو : ما هو الرد المناسب في هذي الحال؟
لاعتقادي أنا بحاجة لثقافة شاملة في فن التسامح و الاعتذار بدل هذي الحوارات التقليدية و المقتضبة و التي لا تشفي جراح آلام الإساءة .
و شكر الله لك .

سليمان مسلم البلادي

ا.نويفعة الصحفي.
شكراً لمرورك الثري.

أسامة مختار

التسامح صفة سامية رفيعة اتصف بها الرحمن الرحيم فهو الذي ألهمنا وعلمنا على لسان حبيبه ومصطفاه هذا الدعاء في أعظم الليالي وهي ليلة القدر (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا) فاتسم بالتسامح ربنا عز وجل ورغم ما عانا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من صلف كفار أهل مكة وما فعلوا به وأصحابه إلا أنه لما تمكن منهم في فتح مكة قال ( اذهبوا فأنتم الطلقاء) فهذه صفة لأصحاب الأنفس القوية والأرواح الزكية. جعلنا منهم لننتصر على الشيطان وأهله في كل مكان وزمان..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *