عندما دخل رسول الله ﷺ مكة فاتحاً بعدما أخرجه أهلها ظلما منها وهو الذي جاء ليحررهم من ربقة الوثنية التي عاشوا وعاثوا فيها ردحاً من الزمان تتحكم في عقولهم الغائبة بسبب نشوة الجهل والرعونة التي ظنوها خيراً وهي شر مستطيراً لكل من اعتنقها واعتقدها ..
نعم دخل الرسول الكريم القائد المنتصر مكة تحت سمع العالم وبصره وقريش التي كانت بالامس سيدة مكة ترمقه من خلال كوة بيوتها التي ألزمهم إياها بكلمته الصارمة ( من دخل بيته فهو آمن ) ..
أين أولئك القوم والملأ الذين ملئوا الدنيا ضجيجاً بالظلم والكبر والعدوان لا لشئ سوا تحكم الشيطان بهم لصدهم عن رؤية الحق والحقيقة ..
دخل النبي القائد الذي تملأ جوانبه الرحمة والعدل حتى مع من آذوه وآذوا أصحابه المؤمنين برسالته ونبوته الذين أجلوا عن أبصارهم وبصائرهم تلك الغشاوة التي ألقاها إبليس على أعينهم لحجب الحقيقة عنهم والران الذي نزل على قلوبهم ..
نعم دخل القائد النبي محمد ﷺ منتصرا ودخل الكعبة وحطم الأصنام التي عبدت في مكة الطاهرة التي أشاد بنيان بيتها أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام وما كان إبراهيم إلا موحداً وما كان من المشركين ولكن (الظالمين بآيات الله يجحدون) ..
نعم حطم الأصنام رمز الظلم والشرك والضلال والوثنية وأمر الصحابي الجليل بلال بن رباح رضي الله عنه أن يصعد على ظهر الكعبة ليعلنها ويصدح بها لأول مرة في مكة أن الله أكبر لا إله إلا الله محمد رسول الله بمعنى أن قد انتهى عصر الوثنية وعبادة الأصنام من حجر وبشر وأخشاب وكل مادة خلقها الله لنفع الناس فاتخذها الناس أربابا وآلهة من دون الله جحوداً ونكراناً للمنعم وصدق الله العظيم اذ يقول ( ان الشرك لظلم عظيم ) ..
نعم صعد بلال الذي كان يعذب في طرقات مكة الملتهبة بحرارة شمسها وحرارة ظلم أهلها له لأنه كما يزعمون قد ترك دين آبائهم وأجدادهم وهم يمنون عليه أن تركوه يعيش بينهم حتى قال أمية ابن خلف زعيم الديمقراطية الجاهلية المزعومة التي بلغت من عظمتها عند أولئك القوم أن يقول أمية ابن خلف الجمحي لبلال رضي الله عنه (حتى ولو كنت انسانا وله آلهة فلن تكون غير آلهة سادتك يابلال) ونعمة الديمقراطية … أبداً هذه أعلى درجات الدكتاتورية والهنجعية والصلف وهذه العقول استحقت ان تدفن في قليب بدر بسبب ظلمها وافكها وافترائها وبلال يطعنهم في صميم قلوبهم بكلمته الخالدة التي جعلها رسول الله ﷺ شعاراً لمعركة أحد ( أحدٌ أحد ) صعد بلال وأعلنها بصوته الشجي وقلبه المفعم بالإيمان واليقين أن الله أكبر من جبروت الوثنيين وأكبر من طغيان الطاغين من الملأ الذين ظنوا أن الدنيا إنما أعطيت لهم وحدهم وأن سواهم لا يستحق مجرد العيش خارجاً عن دائرة جاهليتهم وهنا أخذ القوم الذين لم يخالط الايمان بعد قلوبهم يرمقونه بنظرات الاستهجان ويتساءلون ما هذا الدين الذي يجعل من كانوا بالأمس عبيدا لنا يجعلهم سادة ؟ أليس هذا بلال الذي كان بالأمس يعذب عندنا فاذا به اليوم يرتقي على سطح كعبتنا كسيد من سادات هذا الدين والمنصف فيهم اعترف انه الاسلام واطمأن قلبه أما الذين ما زالت في قلوبهم بقايا الوثنية أخذوا يلوكون كلمات العنصرية ويجترون عبارات الوثنية البغيضة والعنجهية الجاهلية، كيف لهذا العبد أن يرتقي ليساوي سادته وما دروا أن ليس في الاسلام سادةً وعبيداً إنما هي إخوة إيمانية بين بني البشر دون تمايز أو فوارق أو طبقية جاهلية وللحقيقة إن هذه الافكار والمعتقدات إلى اليوم تسيطر على بعض العقول المتحجرة التي أبت الا التمادي في الكبر والضلال ولكن هناك قوم تغلبوا على أنفسهم ودنياهم على حد سواء كعمر ابن الخطاب حين أعلنها عالية واضحة ودرسا لكل العنصريين المتكبرين حين قال عن سيدنا بلال رضي الله عنه ( بلال سيدنا واعتقه سيدنا ) فهل من متعظ يرضخ للحق والحقيقة وفي الأيام القليلة المقبلة يتوجه الناس صوب الحج ليعلنوا من صعيد عرفات ومنى والمزدلفة أن الله أكبر وأن عهد الجاهلية قد انتهى منذ ألف وأربعمائة عام وإلى اليوم وإلى قيام الساعة ستظل كلمة التوحيد هي السائدة وستعم باذن الله الأرض قاطبة وهذا موعود الله ولن يخلف الله ما وعد .
إبراهيم يحيى أبو ليلى
مقالات سابقة للكاتب