طاوعني.. وقُوُّلْ “لا”

كنوع من الامتداد لثقافتنا -ثقافة الإيجابية/ الاستهلاك-يجري “تلقين” كثيرين منا اعتقاداً مفاده أن علينا محاولة أن نكون إيجابيين مُتقبّلين على نحوٍ أصيل وإلى أقصى حدٍّ ممكن.

من قبيل:انفتِحْ على الفرص،واقبلْ، وقلْ نعم لكل شيء ولكل شخص.. وهلم جرا.

لكن علينا أن نرفض شيئاً ما،وإلا فإننا نغدو من غير معنى. فإذا لم يكن هنالك شيء أفضل من شيء آخر،أو مرغوبًا لدينا أكثر من شيء آخر؛فسيملأ الفراغ فجوات حياتنا بأشياء لا تمثلنا وليست على صلة بقيمنا.
غالباً ما يجري تقديم تجنُّب الرفض إلينا باعتباره سبيلاً إلى أن نشعر بأننا في حال أفضل.لكن تجنُّب الرفض يعطينا تلك المسرّة قصيرة المدى من خلال جعلنا من غير دفة ومن غير توجّه على المدى البعيد.
فيمكننا أن نهتم بشيء ما حتى نستطيع أن نرى فيه قيمة،وحتى نرى في أمر من الأمور قيمة؛علينا أن نرفض ما هو ليس في ذلك الأمر.

وهو ما ترشدنا إليه القاعدة الذهنية: يمكن لي من رفض كل ما هو ليس “س” ؛إذا أردت أن اجعلَ “س” قيمة لي.
وهذا الرفض جزء ضروري لا يتجزأ من محافظتنا على قيمنا “هويتنا”.

ونحن كما نتحدد بما نختار قبوله،نتحدد أيضاً بما نختار أن نرفضه.فالرفض خيار أيضاً وليس حكراً على القبول فقط.
أما إذا لم نرفض شيئاً -قد يكون هذا نتيجة خوفنا من أن نُرفَض- فهذا يعني أنه ليست لنا هويّة بعد.
والمتأمل لحال البعض؛يجد أنهم يبالون بأشياء متعددة أكثر مما يجب؛وذلك لأنهم ليس لديهم شيء أكثر جدارة وقيمة يكرسون اهتمامهم به.

فإذا وجدت نفسك على نحو متكرر تمنح اهتماماً أكثر مما يجب لأشياء ثانوية تسبب لك الانزعاج؛فإن من المحتمل أنك تعيش حياة فقيرة ليس فيها ما يستحق اهتماماً حقيقياً.
ينتج عن هذا أن عثورك على شيء مهم له معنى حقيقي في حياتك قد يكون أفضل طريقة لاستخدام وقتك وطاقتك؛وهذا لأنك إذا لم تجد ذلك الشيء الذي له معنى حقاً؛فإن اهتمامك سوف يتجه إلى أشياء لا معنى لها،وإلى قضايا ليست ذات قيمة.

فالواحد منا يختار غالباً ما يمنحه اهتماماً.

ومع تقدُّمنا في السن واستفادتنا من تراكم خبراتنا، “ورؤيتنا أن زمناً كثيراً قد ضاع منّا” نبدأ في ملاحظة أن القسم الأكبر من تلك الأشياء ليس له أثر حقيقي دائم في حياتنا.فلم يعُد الناس الذين كنّا نهتم اهتماماً كبيراً بآرائهم موجودين في حياتنا الآن.كما يتضح لنا أن حالات الرفض التي واجهتنا وكانت مؤلمة لنا في وقتها،قد أدت إلى نتائج جيدة.وندرك أيضاً كم هو قليل انتباه الناس إلى تفاصيلنا السطحية الخارجية؛فنميل إلى عدم إشغال بالنا كثيراً بهم وبآرائهم.

ولعل ما يساعد المرء على ذلك ويعينه عليه بعد التوكل على خالقه هو ممارسة التأمل الذهني والتدبر وإعادة النظر في ترتيب أولويات الحياة.

حينها سنصبح أكثر انتقائية فيما يتعلق بالأشياء التي نحن على استعداد لمنحها اهتماماً.
وهذا هو ما ندعوه بـ”النضج”،وهو شيء لطيف عليك أن تُجرّبه في وقتٍ ما.
فالنضج هو ما يحدث عندما يتعلم المرء ألا يهتم إلا بما يستحق اهتمامه.

سليمان مسلم البلادي
مستشار الوعي الإنساني
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

2 تعليق على “طاوعني.. وقُوُّلْ “لا”

ديلاور

المستشار الاستاذ سليمان هنيئا لنا بك ناصح وموجه تريد الخير والصلاح للجميع فمن رحمة الله بنا ان ييسر ويهيئ لنا من يسعدنا ولو بكلمه ليسعد بها قلوب استوطنتها الاحزان وأنفس ضاق بها الصبر وينير عتمة طريق يضج بئنين العابرين لقد دمرتنا تعقيدات الحياه ومطالبها التمس منك العذر على الاطاله ( طاوعنى وقول تم ) يعلم الله كم انا مخنوق وحينما قرأت روشته مستشارنا وجدت أبواب من الامل تلوح في الأفق

سليمان مسلم البلادي

السلام عليكم
شكراً جزيلاً لكلماتك العاطرة وقراءتك الواعية.
ونسأل الله تعالى العون والسداد والتوفيق للجميع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *