الحقيقة المطلقة

إن المتأمل في هذا الكون بكل ما فيه من الذرة إلى المجرة والدقة والانتظام الذي يسير به هذا الكون المعجز يدرك تماماً إن جرد نفسه من هواها وتفكر بصدق وحق وعدل وألزم نفسه بتحرى الحقيقة بقلب واع وبصيرة نافذه يدرك أن هذا النظام لا يمكن أن يصدر إلا عن مدبر واحد له صفات الجلال والجمال والكمال ..

ولقد تعجبت من بعض القوم يقولون نحن نحترم الملحدين لأنهم يبحثون عن الحقيقة ونسألهم كيف أن ماتوا ولم يهتدوا إلى تلك الحقيقة التي يبحثون عنها والله قد وعد وهو لا يخلف الميعاد ، وعد بأن من يؤمن بالله يهدي قلبه ، قد يقول قائل كيف يؤمن بالله وهو جاحد أقول إذا عدنا إلى الوراء إلى أيام الجاهلية تحديدا فقد خرج نفر من بين قومهم والعادات التي تحكمهم والدين الذي يعتنقونه وهو في ذلك الزمان عبادة الأصنام ، هؤلاء النفر الذين أخذوا يبحثون عن الحقيقة إذ رفضت عقولهم أن تتقبل ألوهية هذه الأصنام وتسائلوا كيف يعبد الإنسان من هو أقل شأنا منه ومكانة بحيث تعبد والناس يتخذونها آلهة تخلق وتدبر شؤونهم ، هؤلاء النفر لما كانوا يبحثون عن الحقيقة هداهم الله وهدى قلوبهم أن ترفض عبادة هذه الأوثان وطهرهم ونقى أفئدتهم وكانوا ينتظرون ظهور نبي يدلهم على الإله الحق ، ومن هؤلاء الشاعر زهير بن أبي سلمى المزين ، وأمية ابن أبي الصلت ، وورقة بن نوفل عم أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ، وزيد بن عمرو ابن نفيل وغيرهم..

إذاً الذي يتحرى الحقيقة لابد أن تظهر عليه علامات هذا البحث كرفض عبادة أحجار أو أشجار أو عبادة البشر أو أكل ماذبح على النصب لغير الله..

ولابد أن يهديه الله كما هدى سلمان الفارسي الذي خرج من بلاد فارس باحثا عن الحقيقة فهداه الله إليها فآمن وأصبح أحد عظماء الإسلام ..

ولو تفكر الإنسان مليا لعلم بتعليم الله له أن الإنسان لو ولد في صحراء أو غابات وبقي وحده ثم ترعرع فإنه يقوم موحداً  باحثاً عن إله واحد فالفطرة السوية وبدون تدخل أحد للتأثير على هذا المخلوق تقول ذلك ، وسوف ينشأ موحدًا حتى لو لم يعرف نبياً ..

قال الله تعالى (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) ، والأنبياء إنما جاءوا ليأصلوا فكرة الإله الواحد ثم ليبينوا للناس كيف يعبدون الله الواحد وهذا الكلام ليس ضربا من خيال أو أضغاث أحلام أو كلام إنشائي لا دليل عليه ولا برهان بل الدليل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق إلا من وحي يوحيه إليه ربه الذي أرسله ليبين للناس الحق من الباطل والصواب من الخطأ يقول (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) ..

ونحن في هذا العصر الذي كثر فيه المشككون وكثرت فيه الآراء وانفتاح الدنيا والولوغ في متاعها وزخرفها والغرور بالعلم والانبهار بما عند الغرب والشرق من تقدم تكنولوجي أصبح البعض يجد في نفسه الضعف وعدم الثقة بل حتى النقص أمام أصحاب الصناعات ولم يكن لديه حصانة إيمانية قوية بحيث تقف أمام مغريات الحياة فراح يتذلل لهم ويردد كلمات بدون علم أو برهان لأنه فقد الطريق ففقد البوصلة التي تهديه إلى الحق فتلاعب الشيطان به وإلا كم من الملحدين من تجلى الله لهم في مختبرات العلم ولكنهم لم يكونوا مهيأين ومستعدين لاستقبال الحقيقة المطلقة ، حقيقة أن هذا الكون له مدبر واحد وفي المقابل هناك علماء من الغرب نفسه من رأى الحق في مختبره وكان يبحث بصدق عن الحقيقة فهدي إليها وآمن إيمانا قويا لا يزعزعه إنكار المنكرين ، وصدق الله إذ يقول (وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) وهذا القول ليس معناه انني أنكر أو أحرض على عدم احترام ذلك الملحد وأنما أنا احترمه كإنسان خلقه الله لا كملحد أنكر وجود الله فأنا أحترم خلق الله فيه وبعد ذلك فالله هو من يحاسب الناس وليس البشر ..

نعم أحترم الإنسان لأنه مخلوق في أحسن تقويم وتتجلى فيه قدرة الله وإعجازه في الخلق .

فاللهم أهدنا إلى صراطك المستقيم واملأ قلوبنا إيمانا ويقينا بك حتى نلقاك .

 

إبراهيم يحيى أبو ليلى 

مقالات سابقة للكاتب

2 تعليق على “الحقيقة المطلقة

ديلاور

قال تعالى ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ))
قال عز من قال ((مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ))
((وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا
إِلا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ ))

لا يمكن لأي عاقل يقرأ هذه الآيات ان ينكر وجود الله سبحانه وتعالى

أحمد مهنا

جزاك الله خيرا !
من يهدي الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.
فمن عمي قلبه لن ترى عيناه ،

هذه مقالة قيمة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *