مساحة للفرح

من بديهيات الحياة أنها مثل ما تمنحنا فرحاً يُراقص كل جوارحنا، فإنها في المقابل لا تتوانى على إرضاع قلوبنا بعضاً من قطرات الألم ساكبة إياه لنا في ثغر أيامنا.
فأي فكر ستكون له الغلبة واحتلال المساحة الأكبر في قلوبنا؟
فكر الفرح أم فكر الألم؟
ولعل الألم هو الأكثر شراسةً في الظفر باحتلال تلك المساحة.
إن النمط الاعتيادي للفكر الذي يخلق العاطفة هو معكوس في حالة “كتلة الألم”، على الأقل في الإطار الأولي.
فالعاطفة الناتجة عن “كتلة الألم” تكتسب سريعاً السيطرة على تفكيرك، وما أن تهيمن “كتلة الألم” على عقلك؛ حتى يصبح تفكيرك سلبياً.
حينها يبدأ الصوت الذي في داخل رأسك بسرد قصص حزينة أو قلقة أو غاضبة عن نفسك وعن حياتك وعن الناس الآخرين وعن الماضي والمستقبل والأحداث المتخيلة.
يبدأ الصوت بتوجيه ضروب اللوم والاتهام والتذمر والتخيل.
وتبدأ تتماهى كلياً مع ما يقوله الصوت مصدقاً كل أفكاره المشوهة.
ففي هذه المرحلة يكون الإدمان على التعاسة قد بدأ.
ليست المسألة أنك لا تستطيع وقف قطار أفكارك السلبية، بقدر ما أنك لا تريد ذلك.
وذلك لأن ” كتلة الألم” تعيش من خلالك، مدعية أنها أنت.
وبالنسبة إلى “كتلة الألم”، فإن الألم لذة وهي تلتهم بشوق كل فكرة سلبية.
في الحقيقة، يكون الصوت الاعتيادي في رأسك قد أصبح الآن صوت “كتلة الألم” التي تسيطر على الحوار الداخلي، وتترسخ دائرةً صلبة بين كتلة ألمك وتفكيرك.
فكل فكرة تغذي “كتلة الألم”، وفي المقابل تُوُّلد الأخيرة المزيد من الأفكار.
وفي مرحلة ما، بعد ساعات قليلة أو حتى أيام قليلة تكون “كتلة الألم” قد تزودت بحاجتها وتعود إلى خمودها السابق مخلفةً وراءها عضواً مستنفداً وجسداً أكثر عرضة بكثير للمرض.
وبهذه النهاية المؤلمة يبدو لنا بشاعة ما يخلفه فينا الألم والتماهي معه.
فلندرك هذا الأمر مبكراً ولننحاز للفرح حتى لو كان بسيطاً، فالاهتمام به سيجعله ينمو ويتكاثر حتى يغدو لحياتنا سمةً ولأرواحنا عنواناً.

سليمان مُسلِم البلادي
مستشار الوعي الإنساني
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *