اكتئاب 2030

الارتباط بالنور الداخلي حقٌّ طبيعيّ لكل مخلوق بشري.
وتأتي علينا أوقاتاً نكون فيها في حالة اتصال به، وذلك عندما نكون في مركز الخير، وطيبة القلب التي بداخلك؛ فنشعر بأننا متصلين بالحكمة.
ومما يدل على أهمية النور في حياتنا، ما أشارت إليه الإحصائيات إلى أنه على الرغم من النمو الاقتصادي الهائل، فإنَّ الناس في “بريطانيا” و”الولايات المتحدة” ليسوا أكثر سعادةً مما كانوا عليه قبل خمسين عاماً مضت.
إننا ربما نكون أقل سعادةً من الأجيال السابقة: فمنظمة الصحة العالمية تُحذّر، أنه مع حلول عام 2030 سوف يُشكِّل الاكتئاب عبئاً يفوق أيّ مرض آخر، متجاوزاً السرطان، وأمراض القلب، والسكري.
قد نكون أكثر ثراءً في الناحية المالية، ولكن يتفق معظمنا أنّ “وتيرة الحياة، وعدد الأمور التي يتعين علينا القيام بها والقلق بشأنها، تُشكِّل سبباً رئيساً من أسباب الإجهاد، والتعاسة، والمرض”.
وفي المقابل فلقد ارتفع معدل استهلاك المعلومات، مع ما لدينا من وسائل الاتصال الحديثة كافة، بنسبة 53% على مدى العقود الثلاثة الماضية.
ومع هذا نجد أنه كثيراً ما يتم تجربة تعدُّد المهام بوصفها طريقةً للتعامل، فإذا كنّا نستطيع معالجة أشياء أكثر في الوقت ذاته، رُبّما سوف نُنهي الأعمال المكدَّسة على المكاتب، إلا أنَّ الأبحاث أثبتت أنَّها غير مفيدة. في الحقيقة، إن محاولة القيام بمهام متعددة في الوقت ذاته تُقلِّل من إنتاجيّتنا بما يُقارب نسبة 40%.
وبذلك فإننا نُهدر الطاقة عبر تحويل انتباهنا من شيء إلى آخر بتعاقبٍ سريع.
فكلما أصبحنا أكثر إجهاداً؛ تضاءلت قدرتنا الذهنية؛ إذ نَشعر بالإرهاق ولا نستطيع التفكير على نحو سويّ.
فننجرف إلى إعطاء “انتباه جزئي مستمر”، وهي طريقة حياة محبطة، محمومة، لا تعمل سوى على إرهاقنا على نحوٍ أكبر.
في الحقيقة، نحن نجعل رحلتنا أكثر صعوبةً، وأقل متعةً، في محاولة الوصول إلى كل مكان على نحوٍ أسرع.
إننا يمكن أن ننهمك في التركيز على حل المشكلات إلى درجة أن نغفل عما لدينا من أمور جيدة في الوقت الحاضر؛ فيصبح عدم الرضا هو حالنا الاعتيادي.
إنه من خلال الاستعداد والقدرة على مواجهة المآزق، وتعلُّم الرفق في التحرر من الطرق القديمة غير النافعة، والبدء في الانخراط مع العالم على نحو أكثر وعياً، وشجاعة، ورحمة؛ يمكن أن يحدث مثل هذا التحول من خلال ممارسة الوعي الكلي.
ويعني ذلك تعلُّم مجموعة من المهارات التي تُوصلنا إلى حواسّنا، وتُمكّننا من العيش في تناغُم أكبر مع واقع اللحظة الراهنة.
فقد لا نقدر على تغيير وَضْعِنا، ولكننا نستطيع دائمًا تغيير أنفسنا -بإذن الله تعالى- عبر ممارسة الاهتداء بنورنا الداخلي؛ ليُنير لنا درباً مليئاً بالتيه وظلام الحيرة ودُجَى التشتُّت.

سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *