الحدسُ إدراكُ الشيء إدراكاً ماهراً من غير اعتماد على خبرة سابقة، ومعرفة حاصلة في الذهن من غير استدلال عقلي أو سابق علم.
وكذلك توقُّع الأحداث المستقبلية من دون معطيات سابقة.
يقترب مفهوم الحدس من بعض المفاهيم الأخرى، مثل: الفراسة، الإلهام، والحاسة السادسة.
فهو حاسةٌ بعيدة عن الحواسّ الخمس المعروفة.
هو حاسّةٌ لها علاقة بالفطرة السليمة وقوة البصيرة، وبالنور الذي يقذفه الله في قلب المؤمن؛ فيرى بنور الله ما لا يُمكِنه أن يراه بالعمليات العقلية من استنتاج وتحليل وتفسير واستنباط، ويفهم بواطن الأمور ويختار القرار الأسلم بإحساس يُقذف في قلبه.
أي القرار الحكيم المتوازن والمتناغم مع سنة الله في الكون.
الحدس قال فيه الإمام الغزالي:
“إنه نور يقذفه الله في القلب؛ فتصفو النفس، ويرقّ القلب، وتنقشع الغمامة، وعندها يحدث الإشراق”
الحدس هو صوت داخلي، ليس حالة مزاجية أو انفعالية، هو إحساس عفوي جدّاً وفطري، له علاقة بحالة القلب الصافي البعيد عن الحقد أو الكِبر، والعقل البعيد عن الضوضاء.
فما ندركه بالحدس هو حقيقي وصادق.
عندما نتّبع الهدى، ونسير وفق تدبير الله في الكون، وعندما يتكافأ التوازن -نور الفطرة، ونور الهداية- تتفتح البصيرة، ويرهف الحس؛ فنسمو متناغمين مع جوهر وجودنا، مع ذاتنا الروحية. في مثل هذه الحالات؛ تظهر الحاسة السادسة أو الحواس المتعلقة بأحاسيس القلب، كالحدس والإلهام.
الحدس هو صوت داخلي يخبرنا برسالة معينة، رسالة تُبلّغُنا شيئاً ما، وهذا الشيء هو الأفضل لنا، يُنبّهنا ويُحذّرنا من خطرٍ ما.
لذلك الحدس يتطلب منّا أن يكون قلبنا صافياً ومطمئنّاً، ومشاعرنا بعيدة عن القلق والتوتر وسوء الظن، وأن نكون في حالة من السكينة والرضا؛ لنتمكن -بذهنٍ صافٍ- أن نستقبل المعلومة لنسير على هداها، من دون تقييم أو إصدار حكم عليها منّا.
عندما نُصغي إلى هذا الصوت الداخلي يكون قرارنا سهلاً وتَوجُّهنا حكيماً.
إنه إحساس فطري لا إرادي يُمكِّننا من التنبُّؤ بمستقبل أمرٍ ما، وهو نور من الله، وكلما انسجمنا مع النظام الإلهي؛ أصبحنا أكثر قرباً من الحدس.
فنمسي كليلٍ أشرقتْ شمسه وتنفّسَ صبحه، وهذا يأتي من قلبٍ سليم نَبَضتْ جوانبه بإيمانٍ صادق، وخشعتْ كل حواسه لخالقها عزَّ وجل.
سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي