حمولة زائدة!

يعيش الماضي في داخلك على شكل ذكريات، لكن الذكريات بحد ذاتها ليست مشكلة.
فمن خلال الذاكرة نتعلم من الماضي ومن أخطائه.
لكن حين تسيطر عليك الذكريات التي هي الأفكار عن الماضي بصورة كلية تتحول إلى عبء وحمل، وإلى مشكلة، وتصبح جزءاً من إحساسك بذاتك.
عندئذ تصبح شخصيتك المشروطة بالماضي سجنك الحاضر المقيد بالماضي.
فذكرياتك مغلفة بإحساس الذات،وتصبح قصتك ما تتصوره ذاتك.
بيد أن قصتك لا تتكون فحسب من ذاكرة عقلية فقط، بل من ذاكرة عاطفية أيضاً عبارة عن عاطفة قديمة تتجدد باستمرار.
إنَّ معظم الناس يحملون قدراً كبيراً من الحمولة غير الضرورية -العاطفية والذهنية على السواء- على امتداد حياتهم.
فهم يُحدّوُّن أنفسهم بالحزن والندم والعدوانية والإحساس بالذنب.
وبسبب النزوع الإنساني إلى الحنين إلى الذكريات القديمة؛ فإن كل شخص تقريباً يحمل في حقل طاقته تراكماً لألمٍّ عاطفي قديم، يمكن أن نسميه “كتلة الألم”.
إنَّ كل عاطفة سلبية لا تجري مواجهتها مواجهة كاملة ورؤيتها على حقيقتها في لحظة نشوئها؛لا تتبدد كلياً، بل تُخلّف وراءها أثراً واضحاً من الألم.
فتبقى العاطفة حيةً وغير مدركة وتُعبر عن نفسها بصورة غير مباشرة على شكل قلق مثلاً، أو غضب، أو انفجارات من العنف، أو مزاجية، أو حتى مرضٍ جسدي.
لكننا رغم ذلك كله نستطيع الكف عن الإضافة إلى “كتلة الألم” التي لدينا. فيمكننا أن نتعلم تَذويب وتحييد مفعول تلك العاطفة القديمة من خلال الرفرفة بأجنحتنا في سماء اللحظة الراهنة، والكف عن المكوث ذهنياً في الماضي بصرف النظر أكان هذا الماضي هو الأمس أم قبل ثلاثين عاماً.
ويمكننا أيضاً أن نتعلم ألَّا نُبقي أوضاعاً أو أحداثاً حية في رؤوسنا وذلك عبر تحويل انتباهنا باستمرار إلى اللحظة الحالية بدلاً من أن نعلق في صنع أفلام عقلية.
عندئذ يصبح “حضورنا” ذاته هويتنا بدلاً من أفكارنا وعواطفنا التي تُشَكّل بدورها ذاكرةً عاطفية ذات ألمٍّ عميق.

سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *