يسعى الناس إلى كل ما من شأنه المحافظة على صحتهم الجسدية بصورة جيدة، فيعملون جاهدين إلى محاولة تجنُّب ما يسبب لهم المرض، فهم يقومون بذلك ليس فقط من خلال مداواة الأمراض، ولكن من خلال محاولة منع حدوثها من الأساس. كل ذلك في سبيل إبقاء مناعتنا الجسدية قوية.
في المقابل نسعى دوماً إلى تجنُّب الألم النفسي وكل ما يؤذي مشاعرنا حتى وإنْ حدث ما يعكر صفو مزاجنا ويقضُّ مضجع قلوبنا؛ فإننا نهرع إلى مداواة أنفسنا،لكن ما يحدث أنَّ هذه المداواة تحدث دون وعي كافٍ.
فمن البصيرة القلبية أن نعي أننا لابد أن نتعرض للألم بعض الوقت، لكن علينا أن نتجاوزه دون أن يستمر في نهشنا كل الوقت.
والطريقة الأمثل لفعل ذلك تكمن في تطوير جهاز المناعة الذهنية لدينا.
ولو نظرنا إلى حالنا؛ لوجدنا أنَّ معظم تعاستنا تنشأ في داخل ذهننا وقلبنا من خلال الطريقة التي نستجيب فيها مع الأحداث في حياتنا.
فالمناعة الذهنية تعني أنْ نتعلّم تجنُّب المشاعر المدمرة وتطوير المشاعر الإيجابية، وذلك عبر فهْم طبيعة حالات الذهن، فهناك العديد من الحالات المختلفة للذهن،الأفكار، والمشاعر المتنوعة التي نختبرها على نحو يومي.
فبعض هذه الأفكار والمشاعر مؤذية، بل سامة، بينما البعض الآخر منها صحي وعلاجي.
فالأُولى منها تزعج ذهننا وتسبب الكثير من الألم الذهني، بينما تجلب لنا الأخرى البهجة والسعادة.
فعندما نفهم هذا الواقع؛ سيكون من السهل علينا التعامل مع الذهن واتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة.
ومن خلال هذا الفهم أيضاً يمكننا أن نُطوُّرَ بها المناعة الذهنية. فكما يحمي جهاز المناعة السليم جسدَك ضد الفيروسات والجراثيم الخطيرة المحتملة؛ فإنَّ المناعة الذهنية تخلق بداخلك تنظيماً سليماً للذهن؛ حتى يكون أقل عرضة للأفكار والمشاعر السلبية.
صحيح أنَّ جهاز المناعة الذهنية يستغرق وقتاً كي يتطور، لكن لا مناص لنا من تطويره وتأهيله لمواجهة عقبات الحياة وذلك من خلال الإيمان بأنَّ علينا تقبل أنفسنا على ما نحن عليه، ثم بعدها ننظر كيف لنا أنْ ننمو ونزدهر، وأن نتعرف على الأشياء التي تُؤرّقنا وتسبب لنا الأذى النفسي، وفي الوقت نفسه علينا أَلَّا نخجل من أنفسنا، وندرك بَشَرِيّتنا التي يعتريها الكثير من الضعف في أحيان كثيرة.
وبذلك نُقَوُّي أنفسنا ونعضدها بعدم توبيخها بسبب أفكارنا ومشاعرنا، وأنْ نؤمنَ بأمرين تجاه أفكارنا ومشاعرنا، الأول: أنَّ تلك الأفكار والمشاعر طبيعية ولا يمكن تجنُّبها. الثاني: أنَّها لا تعبر عن ذواتنا الحقيقية، فأنت لست بالضرورة الفكرة السلبية التي تستقر في رأسك، أو الشعور السيء الذي يخفق بقلبك؛ لأن تلك الأفكار والمشاعر تصبح أكثر كثافةً من خلال الإحساس بالذنب والخزي عندما نظن أنه علينا ألّا نشعر بها.
وهذا الأمر يعكس ببساطة مرحلة جديدة ومختلفة ستمر بها في دورة الحياة العاطفية الخاصة بك في حال تطويرك لجهازك المناعي الذهني عبر اكتشاف طبيعة تفكيرنا، وتَعلُّم تخفيف ردود فعلك العاطفية؛ وهذا بدوره يجعلك أكثر جسارةً أمام المشاعر المدمرة وأنماط التفكير السلبية التي تسبب لك الكثير من المعاناة.
سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي