سلبيات تقنية الاتصالات

مما لا شك فيه أن هذه التقنية الحديثة التي بين أيدينا للإتصالات هي في الحقيقة نعمة أنعم الله بها علينا فلله الحمد والشكر .. وذلك لجعل التواصل بين الناس أسهل وأيسر ، فقد كان الناس من قبل ذلك يصعب عليهم معرفة أحوال بعضهم البعض لصعوبة الإتصال فيما بينهم ….

فقد أصبح من في أقاصي الأرض يعرف أحوال من في أدناها بضغطة زر ، فإذا بالشخص ماثل أمامك بالصوت والصورة وكأنك تجالسه وتحادثه وجهاً لوجه ولم يبقى إلا اللمس والمصافحة …

وكذلك أصبح الناس يديرون أعمالهم وتجارتهم بهذه التقنية دون عناء وجهد السفر والترحال ، وهذه أيضاً نعمة من نعم الله تعالى تحتاج إلى شكر المنعم…

وأيضاً يستطيع المرء أن يحمل في جيبة مكتبة كاملة تحتوي على الآف الكتب والمجلدات للإستفادة منها لطلب العلم والمعرفة …

ولكن في المقابل فقد جير البعض هذه النعم إلى النقيض تماماً وليس عملهم هذا بدعة من الأمر ، فمثل ذلك كثير ..

فلنضرب مثلاً على تحويل النعمة إلى ضدها .. فالعنب حلال أنبته الله في الأرض وعلقه على كرومه ويأكله الناس حلالاً طيباً ، ولكن قد يحول البعض هذا الطعام الطيب إلى شراب خبيث كصناعة الخمر … فالعنب حلال والخمر حرام ..

الإنسان هو الذي أفسد الأمر بعصيانه وجحوده وليس علينا أن نلعن شجرة العنب ونقول أنها السبب في صناعة الخمر .. فهذا القول من أسوأ الآراء وأفسدها …

نريد أن نصل بحديثنا هذا إلى أن البعض قد حول وجير نعمة الاتصالات إلى معصية لله تعالى …

فلقد هالني الأمر عندما رأيت أن البعض اتخذ هذه التقنية أداة لصنع الفتنة والغيبة والنميمة وإثارة الأحقاد وإيغار الصدور ودق إسفين الخلاف بين الناس لمرض في قلوب البعض .. نعم مرض من أمراض القلوب ..

والكل يعلم أن القلم أمانة وتسطير بضع كلمات ربما تودي بصاحبها إلى الهاوية ، كما أنه من الممكن أن ترفع كلمة صاحبها إلى أعلى عليين إن أحسن استخدام القلم أو زر الهاتف الذي يكتب به ..

كم من الفتن قد سمعناها أشعلت بسبب شبكات التواصل هذه ، فالبعض لا يحسن أبداً استعمالها في الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر …

وكذلك عندما تقرأ ما يرسله البعض وإتقان عملية النسخ واللصق بدون تمعن أو مراجعة .. فهو يجيد تماماً فن الإرسال فقط بدون وعي وهذا يزيد استغرابك..

وكم من البيوت قد حطمت وخربت بسبب رسالة بعثها جاهل أو مغرض ، فإذا بالبيوت السعيدة تتحول إلى أشقى البيوت وضربت المشاكل بأطنابها وجثت بكلكلها وباض الشيطان وفرخ في منازل كانت هي رمز للسعادة وهدوء الحال والبال ….

وهناك أمر أدهى من ذلك كله وأمر ، حين يجادل الناس في أمر الدين عبر هذه الشبكات ويعلم الله أنهم لا يفقهون كثيراً من أمور الدين ، فيخوضون فيه بغير علم ولا معرفة .. الكل يفتي وكانه أحد فطاحلة العلم ….

وأتعجب ! .. ففي أمر الدنيا لا يتحدث إلا من له دراية بخصوصيات الأعمال والمهن ، فمثلاً لا نجد من ليس له علم بالطب يتحدث عن الطب ، أو الهندسة ، أو الاقتصاد ، أو الكهرباء خشية أن يصعقه التيار ، فهو يحرص على إيجاد فني كهرباء ليصلح الفاسد منها … وقس على ذلك كل المهن والأعمال ..

ولكن اليوم تجد الكل يتكلم في شأن الدين ويغوص في أعماق أعماقه ، ويعلم الله أنه لا يجيد العوم في بحره الذاخر ، فبدلاً من أن يقف هذا الشخص على شاطئ بحور العلم ويتعلم فن العوم قبل أن يلقي بنفسه وبتهور في خضمه وهو لم يجيد السباحة في علومه بعد …

وكم من الرسائل نراها على شبكات التواصل ومنها ما يتعلق بصميم العقيدة يخوض الناس فيها ويأخذون في تفصيل المسائل العقدية …

وماذاك إلا لأن بعض المغرضين الذين يحاولون النيل منا ، وزعزعة العقائد وغرس الأفكار المنحرفة التي تصل إلى الانحلال والخروج من ربقة الدين في عقول أبناء الأمة ..

فقد سول هؤلاء للبعض أن كل شيء قابل للنقد حتى كتاب الله القرآن الكريم ، وكذبوا في ادعائهم .

ونسي الإنسان في نشوة غروره أنه محدود العقل وأن هناك أمور من أمور الدين والعقيدة لا يمكن أن تحل وتعرف بالعقل المجرد فقط دون الجلوس إلى من يستنبطون ما في كتاب الله من أحكام وحكم من الذين أفنوا أعمارهم في تحصيل العلم ….

وأتعجب ! .. كم من الرسائل رأيتها في هذه الشبكات يرسلها لا أقول قوم أميون فبعضهم معلمون ، فأتساءل كيف مرت هذه الرسالة من تحت يدي هذا الشخص ونشرها كما هي ، حتى أنني أحياناً أجزم أن هذا المرسل لم يقرأ الرسالة أو الموضوع قبل الإرسال وإلا فكيف استساغ أن يضع بين يدي القراء مثل هذه الرسالة التي لا يمكن أن تنطلي على من هم في المراحل الأولى من التعليم.. فهل وصل الكسل بالأمة إلى درجة أن المتعلمين فيها لا يحاولون تفنيد أو معرفة الغث من السمين والطالح من الصالح فيساعدون بدون قصد هؤلاء المغرضين…

وإذا عدنا أدراجنا إلى السطور الأولى من هذا المقال .. فإننا نجد أن البيوت تعاني الأمرين وتتجرع كؤوس الخلاف أنفاساً … كذب … ودجل … وفتنة … ونميمة … وغيبة … وتهريج … ناهيك عن التفاخر بالأحساب والأنساب والمناداة ورفع العقائر بالقوميات عوضاً عن الإنتساب للدين والعقيدة .. والدعوات إلى العنصرية البغيضة التي وأدها الإسلام ووضعها الرسول الكريم تحت قدميه في حجة الوداع …. والترويج للتغريب وسلخ الأمة من عقيدتها وقيمها وأخلاقها ….

كلها وللأسف نجدها في هذه الأجهزة التي بين أيدينا ، والتي من المفترض أنها نعمة يجب أن نشكر الله عليها ونرعاها حق رعايتها …

تنتشر هذه الأمور بالأجهزة في أيدي أطفالنا الذين لم يبلغوا الحلم بعد ، والأمة تعاني وتعاني وأجزم أن البعض منا يتمنى أن تعود حالنا إلى سابق عهدها قبل أن تغزونا هذه التقنية الحديثة لشدة ما وقع الكثير منا في مشاكل بسببها …

ويعلم الله كم في هذه الأجهزة من باطل يتداوله الشباب والشابات بل والأطفال، فالأعداء لا يتعبون ، والشيطان لا يكل ولا يمل من نصب الشراك لبني أدم ، فقد اتخذ له شركاء ومساعدين من الأنس ….

وذلك مع غياب الرقيب لأن الرقيب أو بالأصح الذي كان يجب أن يكون رقيباً هو ذاته وقع في ما وقع فيه من تحت رقابته .. فجلنا إن لم يكن كلنا قد أصابه شيء من هذا الداء .. ولا يقول قائل هذا تشاؤم فالكل يعلم أن هذا الكلام حق ..

فقط نحتاج إلى تجريد الأفكار من الأهواء والرضوخ والإذعان للحق ..

وصدق من قال :

إذا كان رب البيت للدف ضارباً …. فشيمة أهل البيت كلهم الرقص 

نسال الله أن يهدينا سواء السبيل…



إبراهيم يحيى أبو ليلى

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *