أكثر ما سمعنا وتداوله الناس و حفظه التاريخ للعرب هي مكارم أخلاقهم مثل الكرم و الوفاء و الصدق و الشجاعة و مجابهة الأعداء و الذود عن الديار ، هذه كانت من مآثرهم الملموسة ، وكان لهم أيضاً مآثر معنوية حضرت في مشاهد عدّة ، و لعلّ من أبرزها هي مراعاة مشاعر الغير و سعيهم في جبر الخواطر .
يدعون الأعمى بصير ، و المريض معافى ، و الأعور كريم العين ، و الكسير جبير ، و الملدوغ سليم .
يصفون الأوصاف بغير مسمياتها ، وعياً و إدراكاً منهم بأن داخل هذا الجسد المكتسي باللحم و العظم ، هناك روحاً تكتسي بالمشاعر ، قد تتألم و تتوجع أكثر من وجع الجسد ، و مما لاشك فيه أن مثل هذه السلوكيات لا تصدر إلا من أُناسٍ يتحلون بحسٍ مرهف و عالي بمشاعر الغير وهذا هو جوهر العلاقات الإنسانية .
حتى الجمادات سمّوْها بألطف المسميات ، فها هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يمُرُّ بمجموعةٍ من الناس حول نارٍ مشتعلة فناداهم قائلاً : يا أهل الضوء و لم يقل يا أهل النار ; خشيةَ أن يجرحهم .
مواقف الجبر في لحظات الانكسار لا تُنسى و هي دروسٌ قدموها لنا ، فهذه امرأة من الأنصار دخلت على عائشة في حادثة الإفك وبكت معها كثيراً دون أن تنطق كلمة و قالت عائشة رضي الله عنها : لا أنساها لها ، و عندما تاب الله على كعب بن مالك بعدما تخلّف عن غزوة تبوك دخل المسجد مستبشراً فقام إليه طلحة يهرول واحتضنه وقال: لا أنساها لطلحة.
مراعاة مشاعر الغير و السعي في جبر خواطرهم من مهارات الذكاء الاجتماعي وهي من أهم المهارات في القرن الواحد و العشرين ، ويتطلب منّا في هذا الوقت أن نتسلح بتلك القوى الناعمة ، وكوننا مسلمين و عرب لنا ماضٍٍ عريق وتاريخٌ مشرّف ، ونعلم حقيقة أن التاريخ يعيد نفسه فمن الضروري أن تكون أول قواعد ثقافتنا من تاريخنا الإسلامي و العربي .