لقد كرم الله سبحانه وتعالى النحل في كتابه الكريم أيَّما تكريم، وبلغ هذا التكريم منتهاه حين خصص الله عز وجل سورة من سور القرآن الكريم عُرفت باسم سورة النحل، قال تعالى: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (سورة النحل آية 68 ـ 69). صدق الله العظيم
عند تدبر هاتين الآيتين الكريمتـين نجد أنها بدأتا بوحي الله للنحلِ حيث لم يذكر سبحانه وتعالى وحيه لأي من الكائنات غير المكلفة غير حشرة نحل العسل وختم الله سبحانه وتعالى هذه الآية بقوله (إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) وهي دعوة إلى التفكر والتمعن والتأني في معانيهما لإِظــهارِ عظمة القــرآن وإعجازه.
وفي حياة النحل أسرار عجيـبة اكتشف الإنسان في العصر الحديث بعضاً منها، ومازال هناك الكثير من تلك الأسرار لم تكتشف بعد، ووحي الله للنحل وذكره في القرآن مع ذكر بعض التفاصيل عن طبيعته وسلوكه وإنتاجه ينطوي على إشارة إعجازية تدل على أن عالم النحل واسع زاخر بالحقائق العلمية التي يمكن استكشاف حلقاتها على مر الأيام لتكون دليل إعجاز علمي للقرآن الكريم.
وتعتبر تربية نحل العسل من أهم فروع الاستغلال الزراعي حيث لا يقتصر استغلاله لإنتاج العسل والشمع فحسب، بل إن له أهمية كُبرى في تلقيح أزهار المحاصيل المختلفة وزيادة إنتاجها وتحسين صفات ثمارها، مما له أهمية عظيمة للثروة الوطنية والاقتصاد الزراعي وتشهد المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة توسعاً زراعياً ملحوظاً واهتماماً كبيراً بهذه الناحية مما جعل من تربية النحل في المناطق التي تتميز بوجود مصادر للرحيق وحبوب اللقاح ذا مردود اقتصادي عظيم.
وتشجع وزارة البيئة والمياه والزراعة إنتاج العسل المحلي مع مراعاة معايير الجودة، ونشر السلالة المحلية، ونقل التقنيات الحديثة لمربي النحل لتحسين كمية ونوعية الإنتاج وخفض التكلفة وزيادة الدخل مع الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية، ودعم وتشجيع قيام الجمعيات التعاونية لمربي النحل. وتهتم مبادرات رؤية المملكة 2030، وبرنامج التحول الوطني، بتربية النحل وتطوير إنتاج العسل من خلال نشر الطرق الحديثة في تربية النحل ورفع مستوى الكفاءة الإنتاجية وتحسين الجودة، مما يؤدي إلى تحقيق عوائد اقتصادية أعلى وزيادة فرص العمل للمواطنين، حيث تعمل الوزارة من خلال مشروع مبادرة تطوير تربية النحل وإنتاج العسل على برنامج تحسين وتطوير سلالة النحل المحلية والمحافظة عليها، وبرنامج تنظيم وتنمية المراعي النحلية وحمايتها، وبرنامج رفع وتنمية قدرات النحالين، وبرنامج تطوير الخدمات الإرشادية في مجال النحل والبحث العلمي، وبرنامج لحماية النحل من الأضرار.
ووضعت الوزارة خطة تطويرية لهذا القطاع الحيوي المهم وأخذت على عاتقها مراعاة احتياج النحالين والمهتمين بهذا القطاع من خلال استحداث إدارة ومبادرة ضمن برنامج التحول الوطني 2020 ورؤية المملكة 2030 م لتنمية وتطوير قطاع النحل ودعم النحالين لتنامي نشاط تربية النحل وإنتاج العسل وأهمية تطويره بالمملكة، للمساهمة في تعزيز دوره في دعم الاقتصاد الوطني من خلال رفع مستوى الكفاءة والجودة ونشر الطرق الحديثة في تربية النحل بهدف تحقيق عوائد اقتصادية أعلى وزيادة فرص العمل للمواطنين.
د/ دلال مصلح الجدعاني
مقالات سابقة للكاتب