نَبْتةُ سُوءٍ!

من أسهل الأحكام التي يمكن أن نطلقها، هي التي نمارسها ضد غيرنا، بل يصل بنا الأمر إلى درجةٍ من التَّفنُّن في نعتهم بها؛ حتى تغدو تلك الأحكام بمثابة وسماً راسخاً لا يمكن تغييره.
في المقابل، نَجدُّ أن من أصعب الأحكام، هي التي يمكن للإنسان أن يطلقها على نفسه بكل تَجرُّد وموضوعية.
إنَّ ممارسة إصدار الأحكام وما يندرج تحتها من تصنيفات، وتصورات مُسبقة من شأنها العمل على حجْب نفاذنا إلى الخير في تلك النفوس، فَثَمَّةَ خير يسكنها حتى وإنْ لم يظهر لنا علانيةً، كذلك من شأن تلك الأحكام أن تسحبنا باتجاه منطقتها التي لا تُحَبذ إعمال التروي، والأخْذ بالبصيرة، ومعالجة الأمور بالحكمة، بل تأخذنا إلى ضفةٍ أخرى، يغلب فيها ترجيح ما يُسمى بـ (كسل العقل) والذي يُعززه الانطباع الأول، بدعمٍ لوجستي خفي من (الأنا) التي تتوارى، ولكنها تتطلع دوماً أن تكون مُحقّة، وغيرها خاطئاً بالضرورة.
فعلى المرء أنْ يتعاهدَ نفسه؛ حتى لا تنزلق في وحل إصدار الأحكام، كذلك عليه أن يُحَكِّمَ بصيرته؛ وأن يبدأ في محاسبتها، وليكتب قائمةً بأسماء الذين وقع عليهم حكمه، وجانبتهم حكمته؛ ليدرك فداحة صنيعه، وبشاعة عمله.
فإذا كان من أجلّ الأعمال الظاهرة أن تلق أخاك بوجهٍ طلق؛ فإنَّ من أجلّها سراً ألَّا تُضْمر لأخيك سوءاً، ولعلَّ هذا السوء نبتَ عندما سقيته بماء إصدار الأحكام، وغذَّيته بالتصورات المسبقة؛ فغدا نبْتةَ سُوءٍ؛ أفسدتْ حواراتنا، ووحشاً ضارياً؛ يفتك بِعُرى علاقاتنا.
إننا نظلُّ في مجاهدة كبيرة مع نفوسنا؛ لِئلا تنجرف وراء تلك الأحكام، ولعلَّ ما يُعِننا على ذلك، ويُقَوُّي من عزائمنا، ويَشْحذ بالخير نفوسنا، هو المدد الإلهي الذي تَستقيه نفوسنا من إعادة النظر في أدب العلاقات وفق المنهج الرباني، ومدى استشعارنا أنَّ ثَمَّةَ ذبذباتٍ خفية تَسري في أوردة من نلقاهم؛ فلنحسن اللقاء؛ ليطيب البقاء.

سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *