حكاية العجوز والعنكبوت

تظلُّ مخاوفنا ترافقنا في كل تفاصيل حياتنا؛ فلا يكاد أنْ تجد إنساناً دون مخاوفٍ تُرَواده،أو شكوكٍ تُساوره، لكن الفارق بين الناس في كيفية التعامل معها.
إنَّ الوعي الإنساني يملك التأثير في كيفية التعامل مع مخاوفنا.
ففي إحدى الدراسات التي ذكرها كتاب “الوعي الكلي” لــ” إد هاليويل” تمّتْ دعوة بعض الأشخاص الذين يخافون العناكب، وطُلِب منهم محاولة لَمْسَها وهي على قيد الحياة. وتم تقسيم المشاركين إلى ثلاث مجموعات بعد إعطائهم توجيهات حول كيفية التعامل مع خوفهم، مثلاً أن يخبروا أنفسهم أن العنكبوت لن يؤذيهم، أو يحاولوا إلهاء أنفسهم عما يفعلون.
ثم تمَّ تقييم المجموعات وفقاً لمدى قربهم من العنكبوت، ومقدار ما شعروا به.
كانت نتيجة الدراسة، أنَّ الأشخاص الذين حققوا نجاحاً أفضل لم يكونوا ضمن المجموعة الأولى التي حاولت طمأنة نفسها، ولا المجموعة الثانية التي طُلِب من أفرادها ملاحظة خوفهم والاعتراف به.
لقد حققت النجاح المجموعة الثالثة بفضل ما لديها من انفتاح واعٍ على ما يحدث فعلياً في مواجهة العنكبوت.
 وسرُّ النجاح يكمن أنَّ المجموعة الثالثة اعترفتْ صراحةً بقلقها من التجربة، فهم لم ينتبهوا فقط إلى مصدر الخوف “العنكبوت”، بل إلى الخوف نفسه.
إنه سواءً كان ما يُخيّفنا عنكبوت، أو ألم، أو فكرة سلبية، أو علاقاتنا؛ عندما نعمل على تَجنُّب التجارب الصعبة التي لا يمكن تأخيرها؛ تبدأ المشكلات في التكاثُّر، والصعوبات في التراكُّم، ولكن عندما نمارس نهجاً واعياً؛ نصنع لأنفسنا ذخيرةً من التكيُّف الواعي تساعدنا على عبور أزمات الحياة، وما تحمله من مخاوف مختلفة.
والنهج الواعي يقتضي المواجهة الواعية، والمكاشفة الموضوعية التي تُفضي في نهاية الأمر إلى معالجة مخاوفنا.
كذلك من شأن هذا النهج الواعي أن يُبدد سحائب الخوف بعد أن تُشرق شمس وعينا.
وهو ما عبر عنه الروائي “توماس ديكسون” في إحدى رواياته على لسان إحدى الشخصيات بقوله:
“أنا الآن رجلٌ مُسنّ. لقد مررتُ بكثيرٍ من المخاوف، ومعظمها لم يحدث على الإطلاق”

سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *