سارق الأحذية!

نذهب إلى المسجد، ونترك أحذيتنا -أعزكم الله- خارجه، ثم بعد الفراغ من أداء الصلاة، ترشدنا عقولنا عبر الناقلات العصبية إلى المكان الذي تركناها فيه.
وقد يحدث أن تكون تلك الأحذية عرضة للسرقة، أو العبث، أو نحوهما أثناء أداء الصلاة.
قد تبدو هذه حادثة عادية تصادف البعض، لكنها تتشكّل في منظور حياتي أشمل من كونها حادثة عابرة؛ لتعيد لنا صياغتها كمعادلة حياتية على نحو جديد، ونجدها تتمدد في بقية تفاصيل حياتنا.
ويمكن لنا تفكيك هذه المعادلة؛ ومعرفة الدلالات التي تُشيّر إليها، والمضامين التي تحملها.
حينها نتمكن من قراءتها بطريقة مختلفة،
واستنطاقها على نحو شامل.
إن هذا السارق يتلون، ويخرج علينا في الكثير من المواقف.
تارةً نجده في صورة شخص يمتص طاقتنا، أو ينفث فينا من سموم أفكاره المعادية للحياة، وتارةً يظهر علينا في ثوب أفكارٍ بائسة تُسدل ستائرة السوداء على أعيننا؛ فلا تجعلنا نبتهج بالحياة.
وما هذه إِلَّا تمظهرات لذلك السارق الذي لا يألوا جهداً في العبث بحياتنا وسرقة زينتها.
فذلك المُصلِّي الذي دلف إلى المسجد تقوده رغبة أسمى في العبادة، لم تمنعه فكرة أنه قد يتعرض لسرقة حذاءه من بلوغ غايته الأسمى.
فسمو الغاية أنبل، وأرفع شأناً،وأعلى قدراً من أي أمر، ولا يمكن مقارنتها حتى على سبيل المجاز، أو التشبيه.
إذا استطعنا قراءة هذه الحادثة وفق هذه المعادلة؛ يمكننا قياسها على بقية أحداث الحياة التي قد تعترضنا ونحن في طريقنا نحو تحقيق أهدافنا، وبلوغ غاياتنا الأسمى.
ففي حياتنا،نلقى الكثير مِنْ الصعاب، ونواجه العقبات المتتالية، لكن ذلك لا يمنعنا من المضي قُدماً نحو تحقيق أهدافنا التي نسعى لتحقيقها، والوصول إليها.
وقد تكون تلك الصعاب على هيئة تصورات ذهنية تسكن عقولنا، أو على هيئة أشخاص يحيطون بنا، أو أحداثٍ تُغيّر مجرى حياتنا.
وحتى نتمكن من الوصول إلى مبتغانا؛ علينا معالجة تلك التصورات الذهنية بشكلٍ فاعل، والتعامل مع أولئك الأشخاص بطريقة حكيمة واعية، وأن نكون أكثر وعياً مع تلك الأحداث الجِسام، وأن نواصل جهودنا عبر تخصيص تركيزنا الواعي على ما نريد تحقيقه، وأن نمنحه الوقت والجهد الكافيين، وأن نحذر من الانزلاق نحو الرغبة في الأخذ والرد على كل ما يواجهنا ونحن في طريقنا نحو أهدافنا، وحسبنا في ذلك أن نتعامل معه ببصيرةٍ نافذة حتى نمنعه من النيل من عزيمتنا وإرادتنا.

سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *