الشيخ القحطاني.. ومجلسه الثقافي

زرته بمنزله بطيبة الطيبة برفقة اللواء محمد بن هشلول والدكتور محمد الأنصاري والإبن مؤيد فاستقبلنا بجميل كرمه ؛ وبشاشة وجهه ؛ ورحابة صدره ؛ إنه فضيلة الشيخ سعد بن سعيد القحطاني أبا علي – والد زميلي في المرحلة الابتدائية الأستاذ علي الإعلامي المعروف والأديب الأريب – .

فأبهرنا الشيخ سعد بتواضعه وعلمه وحسن خلقه وسمته ، ولسان الحال يقول له:

أهلاً وسهلاً بمن بالحب حياني
وبارك الله في جمع لإخواني

الجود يروى بإسناد ونرفعه
إلى رجال الهدى من قوم قحطاني

لا خير في مجلس لا علم يعمره
فاعمل بصدق لذاك العالم الثاني

وكان مجلسه عامر بالعلم والفرائد وأذكر من تلكم الفوائد أنه تحدث عن أصول العلماء الأعاجم وأن بعضهم يرجع لأصول عربية وذكر عدد منهم.

وأشار في ذلك إلى كتاب “عروبة العلماء” للعلامة ناجي معروف – عم المحقق الدكتور بشار عواد معروف – والذي يرد فيه على نظرية العلامة المؤرخ ابن خلدون (ت٨٠٨هـ) والتي مفادها :
“أن حملة العلم في الملة الإسلامية أكثرهم من العجم”٠

وقد تبنى هذه النظرية العديد من الأدباء والمفكرين مثل: حاجي خليفة وجورجي زيدان وأحمد أمين.
وقد استغل هذه النظرية بعض ممن يكرهون العربية والعرب من الكتاب فجعل يلمزهم وينتقصهم بذلك.

فقيض الله للتصدي لهذه النظرية وإبطال مزاعمها علامة العراق المؤرخ ناجي معروف – عم المحقق الدكتور بشار عواد – فرد على نظرية ابن خلدون وذلك بالعودة إلى بطون الكتب واستخراج الحقائق المدفونة فيها وسبر مدونات الأنساب العربية وتتبع هجرات القبائل حتى أثبت بطلانها وأن حملة العلم في الملة الإسلامية جلهم من العرب.

وأن كثيراً من العلماء الذين ينسبون إلى بلاد الهند والترك وفارس والكرد وغيرها من البلدان هم من أصول عربية.

ومن فوائده أيضاً في هذا المجلس المبارك ذكر حديث رافع بن خديج رضي الله عنه أنه قال: “أَعطى رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَبَا سفْيَان بنَ حَرْبٍ ، وصفوان بنَ أُمَيَّةَ ، وَعُيَيْنَةَ بنَ حِصن ، وَالأقْرَعَ بنَ حَابِسٍ، كُلَّ إنْسَان منهمْ مِائَةً من الإبلِ، وَأَعطى عَبَّاسَ بنَ مِرْدَاس دُونَ ذلكَ، فقال عَبَّاسُ بنُ مِرْدَاسٍ:

أَتَجْعَلُ نَهْبِي وَنَهْبَ العُبَيْدِ
… بيْنَ عُيَيْنَةَ وَالأقْرَعِ

فَما كانَ بَدْرٌ وَلَا حَابِسٌ
يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ في المَجْمَعِ

وَما كُنْتُ دُونَ امْرِئٍ منهمَا
وَمَن تَخْفِضِ اليومَ لا يُرْفَعِ

قال: فأتَمَّ له رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم مِائَةً. [وفي روايةٍ]: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَسَمَ غَنَائِمَ حنين ؛ فأعطى أَبَا سُفْيَانَ بنَ حَرْبٍ مِائَةً مِنَ الإبِلِ .. وَأَعطى عَلْقَمَةَ بنَ عُلَاثَةَ مِائَةً”.

وفي هذا الحديث يظهر لنا جانباً من جوانب تَأليفِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم النَّاس على الإسلام بإعطائِهِمُ المال ؛ كلٌّ على حَسَب قُوَّةِ الإيمانِ في قلْبِه أو رِقَّتِه، وكيف كان يُراعِي أحوالَ كلِّ واحدٍ منهم.

وللشيخ سعد رسالتان علميّتان الأولى رسالة الماجستير وعنوانها :
“أحكام السفر في الشريعة الإسلامية”.

والرسالة الثانية الدكتوراه وعنوانها :
” عقد الأمان في الشريعة الإسلامية ” أشرف عليه د. فهمي أبو سنة العالم الفقيه رحمه الله تعالى.

وكان مجلس شيخنا أبا علي مجلس عامر بالفوائد والفرائد ولولا سفرنا تلكم الليلة لسهرنا عنده ننهل من علّمه وفوائده .

‏مجالس العلم فيها كل نافعةٍ
‏من الأمور بها تزداد إيمانا

‏فكم ظفرتَ من الأشياخ من دُررٍ
‏وكم كسبتَ بها صحبا وإخوانا!

‏والناس أغلبهمْ بالدون مشتغلٌ
‏وأنتَ تصبو إلى العليا بأُخرانا

🔘 إضاءة :

قال عمر بن الْخطاب رضي اللّه عَنهُ :

“‏إن الرجل ليخرج من منزله وَعَلِيهِ من الذُّنُوب مثل جبال تهَامَة ، فَإِذا سمع الْعلم خَافَ وَرجع وَتَابَ فَانْصَرف إلى منزله وَلَيْسَ عَلَيْهِ ذَنْب ، فلا تفارقوا مجَالِس الْعلمَاء “.

“مفتاح دار ‏السعادة” لابن القيم (١ / ٧٧) .

خالد بن محمد الأنصاري

السبت ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٥هـ
بمكة بلد الله الحرام

مقالات سابقة للكاتب

2 تعليق على “الشيخ القحطاني.. ومجلسه الثقافي

هاجر

مقال رائع وجميل استاذنا بارك الله لكم في علمكم ووقتكم ونفع بكم …. وأشار إلى التعرف على علمائنا وقراءة كتاب “عروبة العلماء ”
🤍🤍 في وصايا لقمان الحكيم : جالس العلماء، وزاحمهم بركبتيك ، فإنّ الله يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض بوابل السماء 🤍🤍

ماريا نضال

شكر الله مساعيكم و جزى شيخكم عن كل نسمة من نسمات العلم العليلة التي ارسل بها إلى أرواحكم الطيبة وعقولكم المتعطشة الشغوفة … نهلتم طيبا إن شاء الله ، عسى خير ربي لا ينقطع عنكم سيدي خالد محمد الأنصاري .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *