الخادم الذي ورَّطَ سيّده!

يُحكى أنه بينما كان حكيماً يجلس عند بوابة البلدة، أتاه مسافرٌ متسائلاً -متلمساً وجهة نظر الحكيم- عن رأيه في أهل البلدة، وهل بإمكانه اتّخاذها خياراً جيداً للسكن، وكيف سكانها، هل يتسمون بالود أم بالعدائية؟ وهل سيجعلونني أشعر أنني مُرحّباً بي؟
سأله الحكيم: كيف كان الناس في آخر بلدة سكنت فيها؟
أجابه المسافر على الفور: لقد كانوا مجموعة مروُّعة من الأشقياء الذين لا يمكن أن أعيش بينهم براحة وأمان.
ابتسم الحكيم وأجابه: أعتقد أنك سوف تجد الناس هنا يُشبهونهم إلى حدٍّ كبير.
إننا نميل إلى رؤية الحياة من منظورنا، وليس كما هي، ولكن نستطيع الملاحظة عبر فضاء الوعي إدراك أنماط فهمنا، وتصورنا التي اعتدنا عليها على نحو أكثر وضوحاً؛ فنبدأ في فهم أن الأفكار هي مجرد أفكار، وأن التصورات تظل مجرد تصورات.
إنه من خلال الوعي، يمكننا أن نرى على نحو جليّ أن الأفكار ليست حقائق، بل أنها مجرد أفكار، وأنه يمكن لنا اختبار تلك البلدة وفق أفكارنا إِلَّا أنها ليست بالضرورة تكون صحيحة بالمطلق، إذْ أن أفكارنا لا تُعدّ دائماً انعكاساً دقيقاً للحياة.
ويمكن مع النزعة المتطرفة باتجاه الإيجابية أو السلبية على حدٍّ سواء، أن تُسيء الأفكار تفسير الحياة بشكلٍ متضخم بعيداً عن صورتها الواقعية؛ لأننا عندما نُؤمن تلقائياً بما نُفكّر؛ يُؤثر ذلك على مزاجنا وسلوكنا، وتصبح نظرتنا إلى الحياة غير دقيقة.
إنه يمكن لنا اختبار الحياة بعدسةٍ أكثر اتساعاً، وتمديد فضاء الإدراك عبر الوعي بأنه عندما يكون التفكير سيدنا بدلاً من كونه خادماً لنا؛ يمكن له أن يورطنا في المتاعب، ويُغويّنا بعيداً عن التجربة المباشرة المجردة للحياة، ففي كل مرة نلاحظ أفكاراً في ممارساتنا؛ نُحرر أنفسنا من طغيان التفكير، إذْ من الممكن لنا أن نراقب أفكارنا بدلاً من مجرد التماهي معها.

سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *