حفلات جماعية (٢)

وحتى يمكن لنا أن نجد مكاناً لما فيه خير الناس ونفعْهم وسط وسائل التواصل الاجتماعي، علينا إدراك حقيقة الحضور الطاغي والكثيف لهذه الوسائل بمحتواها الممجوج، كذلك إعادة قراءة المشهد بطريقة مختلفة، إذْ أنَّ المتأمل للمشهد المجتمعي؛ يلحظ الدلالات الرمزية للتغيير في محيطنا الاجتماعي؛ فالأشياء الساكنة وغير المتغيرة تكون جزءاً من المشهد الخلفي للمجتمع، وتكون في الغالب غير مرئية؛ لأنها لا تمتلك الأدوات اللازمة التي تمكنها من الحضور، وحجْز مقعدٍ لها وسط تلك الوسائل.
مع أن تلك الأشياء الساكنة تقوم بأدوارها القيمية الكبرى في المجتمع، لكنها يبدو أنها زهدتْ في الأخْذ بتلك الأدوات التواصلية التي هي لسان عصرها، وصوته المسموع.
ومع هذا لا ينبغي الاستخفاف بأهمية وسائل التواصل الاجتماعي في حدّ ذاتها، حيث غدتْ حياتنا، ووظائفنا، وأعمالنا قائمة على الاتصال بها، والتواصل من خلال تطبيقاتها.
فليس من السهل أن نعود أدراجنا بكل بساطة إلى ما قبل ظهور تلك الوسائل. مع أنَّ هذا الأمر يستنزف جهداً كبيراً، ودفْع تكلفة الانتقال من تطبيق إلى آخر من الوقت دون أن نشعر به.
ولعلَّ إدراكنا العميق بأن نكون في كل مكانٍ (تطبيق)؛ هو أَلَّا نكون في أي مكانٍ؛ من شأنه أنْ يخفف وتيرة متابعتنا لتلك التطبيقات على المستوى الشخصي.
إنَّ ما يهمنا ليس عملية الاستخدام لتلك الوسائل بحد ذاتها، بل ما نصبح عليه بعدها.
ففي حقيقة الأمر أننا نُشكّل أدواتنا، ومن ثم تُشكّلنا أدواتنا.
فهذه الأدوات هي في نهاية الأمر تُخَدّر ذات الجزء الذي تُقَوُّيه فينا.
إنَّ الخطر الكبير الذي يواجهنا، أنه حينما نصبح أكثر تماهياً مع تلك الوسائل، هو أننا سنبدأ في فقدان الكثير من قيمنا، حيث أن هذه الوسائل التواصلية لديها القدرة على أسْر الإنسان، وسحْره، وإبهاره، وفتنته إلى الحد الذي يجعله يزهد في حياته المعاشة، ويطمع في حياةٍ تُماثل ما يراه في وسائل التواصل الاجتماعي.
إنَّ إطلاق التعميمات بشأن شيوع استخدام تلك الوسائل هو أمر عارٍ من الدقة والموضوعية، وينقصه الكثير من الخضوع للمنهجية العلمية والبحث العلمي الرصين، ولكنه في الوقت نفسه لا يغير من حقيقة تَفشّي انّدثار الجانب القيمي في تلك الوسائل.
وهذا يستلزم وعياً عميقاً، وملاحظةً دقيقة لتجربة المجتمع في مرحلة انتشار استخدامها، إِذْ بإمكان مراكز البحث العلمي، والجهات الرقابية، وتضافر الجهود من رجال الفكر والمؤسسات الإعلامية الرسمية المساهمة في تغيير النمط الإدراكي لتلك الوسائل، عبر التوسُّع المحمود في نطاق استخدامها، وتحسُّن محتواها، وجعْلها أكثر ديناميكية لخدمة الناس ونفْع مجتمعهم؛ وبذلك يمكن تغيير ما هي عليه، وبالتالي التغيير من تجربة الاستجابة لها.

سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

تعليق واحد على “حفلات جماعية (٢)

منيرة الحامضي بنت حازان

جميل استاذ سليمان
مقالة وافية كافية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *