على الرغم من أن مرحلة ما قبل الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني (prediabetes) لا تحتاج إلى علاج دوائي في معظم الأحوال، فإنها تُعد عامل الخطر الأهم للإصابة بالمرض في غضون سنوات قليلة، إذا لم يتم تغيير نمط الحياة إلى نمط صحي. وهذا النمط الصحي يعتمد على غذاء قليل السعرات الحرارية عالي القيمة الغذائية، لا يعتمد على الكربوهيدرات والدهون، بالإضافة إلى ممارسة الرياضة بانتظام، والبعد عن الحياة الخاملة، وتجنب تناول السكريات المصنعة، مثل الحلوى والمشروبات الغازية.
عوامل اجتماعية
أظهرت أحدث دراسة أجراها باحثون من جامعة بيتسبرغ (University of Pittsburgh) بالولايات المتحدة، ونُشرت في مطلع شهر يونيو (حزيران) من العام الحالي في مجلة الرابطة الطبية الأميركية (JAMA Network Open) ارتباط الإصابة بهذه المرحلة بعوامل اجتماعية معينة، مثل: الفقر، وعدم وجود تأمين صحي، ونقص الموارد الغذائية، وعدم تلقي عناية طبية لائقة.
خلافاً لتصور كثيرين، من الممكن أن يؤدي النقص الشديد في الغذاء إلى الإصابة بالسكري، نتيجة للتركيز على المواد الغذائية رخيصة الثمن مرتفعة السعرات، التي تحتوي على كميات كبيرة من الكربوهيدرات، مثل: الخبز، والأرز، والمعكرونة. وبجانب العامل الغذائي في الأغلب يعاني أطفال الأسر الفقيرة من الضغوط النفسية، نتيجة للقلق والخوف، فضلاً عن تعرضهم للمعاملة السيئة، سواء في المنزل نتيجة للضغوط الاقتصادية على الآباء، أو تعرضهم للتنمر في المدرسة بسبب مظهرهم. ومن المعروف أن العوامل النفسية تلعب دوراً مهماً في الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني.
قام الباحثون بتحليل بيانات 1563 من المراهقين الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و18 عاماً، ويعانون جميعاً من السمنة أو زيادة الوزن، وكان هناك نسبة منهم بلغت 8.5 في المائة يعانون من ارتفاع نسبة الغلوكوز في الدم أو الهيموغلوبين السكري «A1c» (يُعد قياس مستوى الغلوكوز في هيموغلوبين كريات الدم الحمراء مؤشراً جيداً لمستوي السكر في الدم لمدة 3 شهور)، وبعد ذلك قاموا بالتركيز على 3 عوامل اجتماعية تؤثر في تطور المرض، وهي: الأمن الغذائي، والتأمين الصحي، ودخل الأسرة.
انتشار مقدمات السكري
أظهرت النتائج أن معدل انتشار مقدمات السكري كان أعلى بنسبة 4.1 في المائة بين المراهقين من الأسر التي تعاني من نقص الموارد الغذائية، مقارنة بالأسر التي تتمتع بالأمن الغذائي، وأيضاً أعلى بنسبة 5.3 في المائة بين الأطفال الذين لديهم خدمات تأمين صحي عام، مقارنة بالذين يتمتعون بخدمات التأمين الصحي الخاص. والمعروف أن هناك بعض الخدمات الطبية لا يغطيها التأمين الطبي الحكومي، وتحتاج إلى تأمين خاص.
وبالنسبة لدخل الأسرة، كانت نسبة الإصابة في أطفال الأسر الفقيرة أعلى 5.7 في المائة من أقرانهم من أبناء الأسر متوسطة الدخل والغنية.
ولاحظ الباحثون أنه داخل التركيبة العرقية نفسها، يمكن أن تتغير عوامل الخطورة للإصابة نتيجة لتغيير العوامل الاجتماعية. وعلى سبيل المثال في الأطفال البيض (الذين يُعدُّون أقل عرضة للإصابة بمقدمات السكري) أدى انتقال المراهقين من وجود عامل واحد من مؤشرات الخطر الاجتماعي، مثل نقص الغذاء، إلى اثنين أو ثلاثة من عوامل الخطورة الاجتماعية الباقية الضارة للصحة (الفقر، وضعف الخدمات التأمينية الصحية) إلى مضاعفة معدل انتشار مرحلة ما قبل السكري 4 مرات كاملة.
وقال الباحثون إن السبب الرئيسي للدراسة أنهم لاحظوا أن معظم الأطفال والمراهقين الذين يعانون من البدانة المفرطة أو زيادة الوزن، ينحدرون من أصول فقيرة من السكان الأصليين والآسيويين وذوي الأصول الأفريقية والإسبانية، وبالتركيز على محاولة تعديل العوامل الاجتماعية (القابلة للتعديل) يمكن حماية هؤلاء الأطفال من الإصابة بالمرض ومضاعفاته الخطيرة، مثل الإصابة بأمراض القلب، والسكتة الدماغية، والفشل الكلوي؛ خصوصاً أن عوامل الخطورة الأخرى (مثل العرق والعامل الوراثي والمناعي) لا يمكن تعديلها.
وأوضح العلماء أن المشكلة في مرحلة ما قبل السكري تكمن في أن ارتفاع نسبة السكر في الدم لا تسبب أعراضاً ملحوظة في كثير من الأحيان، حتى يصاب الطفل بالمرض بالفعل. لذلك نصح الباحثون الآباء بملاحظة بعض العلامات التي يمكن أن تلفت نظرهم لعمل تحليل الهيموغلوبين السكري في الدم، مثل تأخر شفاء الجروح والإصابات السطحية، أو تكرار حدوث خراج في الجلد، وخلل في النظر (رؤية ضبابية- Blurry vision) وكثرة التبول، بجانب زيادة الإحساس بالجوع الشديد أو العطش بعد تناول الطعام بفترة قصيرة، كما يعاني الطفل من التعب بعد أقل مجهود.
وحذر العلماء من خطورة عدم التعامل مع النتائج بجدية؛ لأن مقدمات السكري تُعد من أهم المشكلات التي تهدد صحة المراهقين. وقالوا إن متابعة مرحلة ما قبل السكري يجب أن تعتمد على إجراء التحاليل بصفة مستمرة، للمتابعة الدقيقة، وعدم الاعتماد على المظهر العام للمراهق؛ لأنه في كثير من الأحيان لا يزيد وزن الطفل بعد تغيير نوعية الغذاء وممارسة الرياضة باستمرار، ولكن لا يحدث تحسن في مستوى الغلوكوز في الدم، لذلك يجب إجراء التحاليل اللازمة للتأكد، مثل الهيموغلوبين السكري، وبعد الانقطاع عن الطعام لمدة 8 ساعات (الصائم) وبعد تناول الغذاء بساعتين (المفطر) حتى يعود مستوى الغلوكوز في الدم إلى المستويات الطبيعية.
في النهاية، نصحت الدراسة الهيئات الصحية بضرورة عمل مسح لمرض السكري من النوع الثاني في المدارس، للأطفال المعرضين لخطر الإصابة، وضرورة الحد من عوامل الخطورة الاجتماعية، وضرورة توفير الخيارات الغذائية الصحية، والتثقيف الصحي للطلاب، وحثهم على ممارسة النشاط البدني لمدة لا تقل عن ساعة يومياً.