يبدو أننا لا نكاد نفك من العيْش وفق ذهنية التناقضات.
فالإنسان مخلوقٌ فُطِرَ على الاستعجال في الحصول على نتائج أفعاله، وكأن صبره نفذ من انتظار قطْف ثمار أعماله، فلا يلبث الدخول في مشروعٍ، أو البدء في تنمية عادةٍ لديه؛ إلَّا وتجده يستعجل الحصول على مراده، دون أن يمنح ذلك المشروع، أو تلك العادة حقهما من الوقت اللازم لهما.
هذا التناقض يقود أذهاننا إلى مثلٍ يوناني قديم يُعرف بـ “متناقضة سوريتيس”
كما أورده “جيمس كلير” في كتابه الشهير (العادات الذرية).
وكلمة سوريتيس مشتقة من كلمة يونانية أخرى هي سوروس، وتعني الكومة أو التل.
وهذا المثل اليوناني يتحدث عن التأثير الذي يمكن أن يحدثه فعل بسيط حين يتكرر لعددٍ كافٍ من المرات.
ويمكن ضرْب مثال لإحدى هذه المتناقضة، فمثلاً هل يمكن لعملةٍ نقدية واحدة أن تجعل شخصاً ما ثرياً؟ وحتى لو أعطيته مجموعة من عشر عملات؛ فلا يمكن أن نقول أن أصبح ثرياً.
في حين لو أضفت له عملةً بعد أخرى بشكلٍ مستمر؛ يمكن لنا القول بأنه يمكن أن يكون ثرياً ما لم تجعله عملة واحدة كذلك.
ويمكن لنا قول الشيء نفسه عن تكوين العادات.
هل يمكن لتغيير واحد بسيط أن يُغيّر حياتك؟ ماذا لو أحدثتَ تغييراً آخر، ثم تتوالى هذه التغييرات البسيطة؟
عندها يمكنك القول بأن حياتك تغيّرتْ بفعل تغيير واحد بسيط.
إن القصد من تغيير العادات ليس القيام بتحسين واحد مقداره 1% ، وإنما القصد إجراء المئات من عمليات التحسين.
في البداية، يمكن أن تبدو التحسينات البسيطة عديمة المعنى، وضعيفة النفع؛ لأنها تتضاءل إلى جوار ثقْل المنظومة كلها، لكن تدريجياً، وبينما تواصل مراكمة التغييرات البسيطة؛ يبدأ ميزان الحياة في التحرُّك، ويكون كل تحسين أشبه بإضافة حبة رمل إلى الجانب الإيجابي من الميزان، بحيث تميل الكفّة تدريجياً لصالحك.
وفي النهاية، إذا واصلت الالتزام بعاداتك؛ ستصل إلى نقطة تميل فيها الكفّة تماماً، ويعمل ثقْل النظام لصالحك بدلاً من أن يعمل ضدك.
حينها؛ تصدق المثل الذي يقول:
“متناقصة سوريتيس”
سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي