حركات نُصّ كُمّ!

بحسب ثقافة الإنسان التي نشأ عليها، ونما وتطور بها؛ نجد التمجيد للعقل، والافتخار به، والثناء عليه وتبْجيّله في مواجهة التحديات.
في حين يختفي القلب تقريباً من هذا المشهد، فلا يكاد يُذكر لا من قريبٍ ولا من بعيد.
وعلى الرغم من علو منزلة العقل، وسمو مكانته مقارنةً بالقلب -حسب ما ترى ثقافة الإنسان- إِلَّا أنه لا يترك حركاته نُصّ كُمّ، وحيله النفسية، وآلياته الدفاعية عندما نشعر بالألم، أو حينما نحس بدنو وقوع الخطر.
فالعقل يضع على قائمة أولوياته مهمة بقاء الإنسان سليماً، ومن بعدها تأتي المهمات الأخرى. وبحسب البرمجة البيولوجية الفطرية للإنسان؛ تظل هذه المهمة سابقة لغيرها.
فمن الأساليب التي يستخدمها العقل عند القيام بهذه المهمة، تخزين وتحليل المعلومات السلبية التي تُستدْعى عند تذكُّرها تجارب مؤلمة نتجَ عنها ضرر نفسي أو جسدي.
إن الانحياز للمشاعر السلبية هو في الأساس نزعة كان يميل إليها العقل؛ وساعدتْ أجدادنا قديماً في الحفاظ على وجودهم في ظل ظروف بيئية صعبة وخطرة للغاية، ومنحهم هذا الميْل مهارة التيقظ لمواجهة أي خطر يداهمهم.
لكن في الوقت الحاضر لا يحتاج الإنسان إلى كل هذا الميل إلى المشاعر السلبية، فالدراسات الحديثة كما ذكرها “ديمون زهاريادس” في كتابه (سيكولوجية الرحيل) نفتْ عنه تلك القيمة الإيجابية التي كانت موجودة في عقود طويلة ماضية.
وأرجعَ الباحثون ذلك، إلى أن الإنسان لم يَعُدْ عُرضةً للخطر كأسلافه السابقين.
وأن تركيز العقل على المشاعر السلبية؛ سيفقده القدرة على الانتباه والتفاعل الجيد مع المشاعر الإيجابية؛ وبالتالي تحتل المشاعر السلبية مساحةً واسعة منه مقارنة بالإيجابية منها التي تتوارى خلف أكوام رمال المشاعر السلبية؛ فيصعب الانتباه لها، أو إدراكها.
إن الانحياز للمشاعر السلبية يُضْعفُ من قدرتنا على التعامل الجيد مع الأفكار والمشاعر السلبية، فالعقل يعمل على تضخيمها؛ لتهيمن على تفكيرنا؛ ليضمن بقاءنا؛ مما يدفعنا للتمسك بها تلقائياً مفترضين أنها تحمينا من ضررٍ محتمل.
ونتيجةً للانسياق خلف نزعة الانحياز للمشاعر السلبية؛ تتأثر حياتنا سلباً في كل جوانبها، بدءاً من العلاقات الشخصية وعلاقات العمل، ونهايةً بإضعاف قدرتنا على اتّخاذ القرارات الصحيحة في المواقف التي نواجه فيها تحديات صعبة.
ويمكن للإنسان خَفْض نزعة الميل للمشاعر السلبية عبر العمل على إعادة برمجة العقل، وتبديل الصورة التي يركز عليها؛ للخروج من الحيز السلبي، والتخلُّص من سيطرة الماضي بتجاربه السيئة، ومن ثم البدء في تجاوزه.

سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *