يبدو أنَّ الحياة تتشكّلُ في داخلنا، كما تتشكّلُ من حولنا.
فالحياة من حولنا تجمع بين الليل والنهار، والأرض والسماء، والبحر واليابسة، والماء والنار، والصحة والمرض، والحياة والموت.
في المقابل يتشكّلُ داخلنا الخير والشر، والحب والكره، والنجاح والإخفاق، والعطاء والمنع، والكرم والبخل، والصدق والكذب.
ويمكن النظر لهذه المكونات على أنها متناغمة في إبداع فريد، بعيداً عن النظر إليها على أنها متناقضات تشكّلتْ داخل أحشاء الحياة.
وهذا التناغم العجيب شكَّلَ لنا صور خلايا الحياة التي نعيشها دون زيادةٍ لمكونٍ على آخر.
ويمكن لنا توظيف هذا التناغم في تسيير حياتنا نحو الأفضل من خلال التوازن العقلي، والاتزان العاطفي، فكما نجعل مساحةً للثقة؛ علينا أَلَّا ننسى أن نجعل ذات المساحة للخيبة، ومساحة أخرى كافية لاستيعابها.
كذلك يمكننا الاستفادة منه في العلاقات الاجتماعية التي نرتبط بها مع من حولنا؛ فليس شرطاً أن يقابل أدبك ووقارك بذات القدر من التعامل، فسلوك الناس معك -غالباً- مرتبط بصراعاتهم الداخلية أكثر من كونه مرتبطاً بك، فالناس تؤذي بعضها بمقدار النقص الذي يهزُّ عرشها، والتوتر الذي يقلق أمنها وأمانها النفسي.
كما يمكن توظيف هذا التناغم على نحو بديع، حينما ندرك أننا إنما نحن فترات زمنية -تطول أو تقصر- في حياة بعضنا؛ فلنحسن البقاء بأجمل صورة، وأبهى منظر في كل فترة.
كذلك يأتي هذا التناغم المذهل كواعظٍ يرشدنا إلى احتمالية حدوث ما لم يكن في الحسبان، فأحياناً نتجلَّدُ بالصبر والشجاعة، ولا نكاد ننجو من الانكسار والهزيمة؛ لأنه ربما جاءت الرصاصة من عزيزٍ شَغَفْنَا حُبّاً؛ فالشجاع إنْ حب تُوخذ بندقه من كفَّه.
سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي