حال السلف في رمضان

🖋️إنّ للسلف الصالح أحوال في رمضان تختلف عن أحوالهم في غيره من الشهور ، متمثلين في ذلك قول الله عز وجل بشأن هذا الشهر : ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾. (البقرة: 185) .

فلقد عرف السلف الصالح قيمة شهر رمضان المبارك ، فشَّمروا فيه عن ساعد الجِد ، واجتهدوا في أداء الأعمال الصالحة وحرصوا على تنوعها ، وسارعوا إلى الخيرات ، طمعاً في مرضاة الله عز وجل ومغفرته ورحمته ، وقد ثبت أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم ، وكانوا يتنافسون في الطاعات والقربات ، ويفرون من مقاربة المعاصي والسيئات ، يحفظون صيامهم من جميع المفطرات ، يعملون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويوصي بعضهم بعضاً بأن لا يكون يوم صوم أحدهم كيوم فطره ، فعن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – قال: “إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ، ولسانك عن الكذب والمحارم ، ودع أذى الجار ، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء”.

جاءَ الصيامُ فجاء الخيرُ أجمعهُ
‏ ترتيل ذكر وتحميد وتسبيحُ

★★★

‏ فالنفس تدأب في قول وفي عمل
‏ صومُ النهار وبالليل التراويحُ

🔹حال السلف مع القرآن:
كان لسلفنا الصالح رحمهم الله عناية عظيمة بالقرآن الكريم ولا سيما في شهر رمضان المبارك فكانوا إذا دخل رمضان أقبلوا على القرآن العظيم .

ومن ذلك أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان – رضي الله عنه – : “كان يختم القرآن الكريم كل يوم في رمضان” ، وقد كان إمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس – رحمه الله – : ” إذا دخل شهر رمضان أوقف دروس العلم وأقبل على قراءة القرآن “.

وقال الربيع بن سليمان: ” كان الشافعي – رحمه الله – يختم القرآن في شهر رمضان ستين ختمة” .
وهذه الأمثلة تدل على تعلق السلف الصالح بكتاب الله عزوجل قراءةً وتدبراً وتعظيماً وعملاً وهذا سر سعادتهم وقوة إيمانهم .

‏كُلّ السعادةِ في قراءةِ مصحفٍ
‏تحيا القلوبُ ويَستَريحُ المُتْعَبُ

★★★

‏رَدِّدْ كَلامَ اللهِ في غَسقِ الدُجى
‏إِنَّ الذي هجر القُرآنَ مُعَذبُ

★★★

‏قدْ أظْلمتْ هذي القلوبُ بِتَركِها
‏ذاكَ الكتاب فأصبحتْ تتلهبُ

★★★

‏فَأَنر فُؤادكَ بالقرآنِ فإِنَّهُ
‏نِعمَ الضِياء هوَ الأنِيسُ الأَطْيبُ

🔸حال السلف في قيام الليل :
لقد كان السلف الصالح يحرصون على قيام الليل ويقتدون بالنبي _ صلى الله عليه وسلم _ في القيام في شهر رمضان إمتثالاً لقوله عزوجل في صفة عباده : {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} ، ولقول عائشة رضي الله عنها : “لا تدَعْ قيامَ الَّليلِ فإنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كان لا يدَعُه وكان إذا مرِض أو كسل صلَّى قاعدًا”

وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – : يصلي من الليل ماشاء الله حتى إذا كان نصف الليل ايقظ أهله للصلاة ، ثم يقول لهم الصلاة الصلاة ، ويتلو {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا } .

وكان ابن عمر – رضي الله عنهما – يقرأ هذه الآية: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} .

وقالت امرأة مسروق بن الاجدع : “والله ما كان مسروق يصبح من ليلة من الليالي إلا ساقاه منتفختان من طول القيام” .

وقيل للحسن البصري – رحمه الله – : ما بال المتهجدين بالليل أحسن الناس وجوهًا؟ قال: “لأنهم خَلَوْا بالرحمن ، فألبسهم من نوره”.

عُبّاد ليلٍ إذا جن الظلام بهم
‏كم عابدٍ دمعه في الخد أجراهُ

🔹حال السلف مع الصدقة :
للصدقه فضلها وأثرها في رفع البلاء وإدخال السعادة إلى القلوب ، فهي جوهر الكرم وأحد أعظم الأعمال الإنسانية التي تعزز التراحم والتكافل بين الناس ، وهي مفتاح للخير وبركة في الحياة ، وتجسد أسمى معاني العطاء والإحسان.

ولقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ” أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان “.

وروى زيد بن أسلم عن أبيه قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: ” أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ووافق ذلك مال عندي، فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً، قال فجئت بنصف مالي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما أبقيت لأهلك } قال: فقلت مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما أبقيت لهم؟ } قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسابقك إلى شيءٍ أبداً”.

وقد جاء سائلٌ إلى الربيع بن خيثم رحمه الله يسأل، فخرج إليه في ليلة باردة، فنزع بُرْنُسًا له فكَساهُ إيَّاهُ، ثم تلا هذه الآية: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ .

🔸حال السلف في إطعام الطعام:

وقد كان السلف الصالح يحرصون على إطعام الطعام ويقدمونه على كثير من العبادات. سواء كان ذلك بإشباع جائع أو إطعام أخ صالح، فلا يشترط في المطعم الفقر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام } .

وكان كثير من السلف يؤثر بفطوره وهو صائم منهم عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما، وداود الطائي ومالك بن دينار، وأحمد بن حنبل، وكان ابن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين، وربما علم أن أهله قد ردوهم عنه فلم يفطر في تلك الليلة.

🔹حال السلف في تفطير الصائمين:
قال صلى الله عليه وسلم : { من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء }.

🔸حال السلف في الجلوس في المسجد حتى تطلع الشمس:

كان النبي صلى الله عليه وسلم : ” إذا صلى الغداة – أي الفجر – جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس “.

وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة ” .

🔹حال السلف مع الاعتكاف:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره، ويجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها”.
 
وكان السلف رضي الله عنهم إذا دخلت العشر رفعوا الهمة إلى أعلاها، وبذلوا الطاقة إلى منتهاها، وكانت عائشة رضي الله عنها تعتكف مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت لا تدخل بيتها إلا لحاجة الإنسان، وكانت تقول: إن كنت لأدخل البيت للحاجة، والمريض فيه، فما أسأل عنه إلا وأنا مارة”.

‏فطوبى لمن استثمر أيام المواسم كرمضان وغيره وكان لحقهن خير قائم ، وتخلى عن المآثم ، واخلص لمولاه وعاش في رضاه وسارع إلى طلب عفوه ، ولهج لسانه بالذكر وحرص على الغنائم.

🔘 إضاءة :
‏صلاح العبد نفسه في ⁧‫رمضان‬⁩ يعين على صلاح العبد سائر العام ، وهذا أمرٌ مجرب ومعروف ، ولذلك قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- :

‏( من صح له رمضان و سَلِم؛ سلمت له سائر سنته ).

‏كتاب “زاد المعاد” (٣٩٨/١).

مقالات سابقة للكاتب

17 تعليق على “حال السلف في رمضان

منال الحوسني

اللهم بلغنا رمضان بلوغ يهذب نفوسنا ويطهر قلوبنا ويزيد أجورنا نحن ووالدينا وأحباب قلوبنا وجميع المسلمين والمسلمات ياااارب .

الأستاذة فايزة العمري

‏سُئل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
‏ كيف كنتم تستقبلون رمضان؟
‏قال : ما كان أحدٌ منا يجرؤ على استقبال الهلال وفي قلبه ذرة حقد على أخيه المسلم!
‏اللهمَّ طهِّرْ قلوبَنا وسَلِّمها♥️..
‏⁧

دلال النفيعي

‏رمضانُ أقبل فالقلوبُ سعيدةٌ
‏بحلول شهر البرّ والإحسانِ

‏شهرٌ بهِ تهفو النفوسُ لخالقٍ
‏قد خصّـها بتلاوة القرآنِ

‏عشرٌ وعشرٌ تلك عشرونٌ بها
‏حثّ السباقِ لرحمةٍ وجنانِ

‏وختامها عشرٌ وفيها ليلةٌ
‏نرجو بها عتقًا من النيرانِ

‏يا رب فاقبل صومنا وقيامنا
‏واختم لنا بالعفو والغفرانِ

الأستاذة سميرة الشهري

مقال مبهج عن شهر الخير والبركات وتنزل الرحمات فالشكر كل الشكر والتقدير لكِ يا أستاذة منى على ما أفدتني به من أحوال السلف في استقبال هذا الشهر المبارك جعلنا الله ممن يقتدون بهم .

سامي الجهني

لا تكُن عاديًا في سَاعات رَمضان وأعقد العزم أن يكون رمضانك هذا مختلفًا وعش لحظاته كأنه آخر رمضان في حياتك، أرِ الله تعالى مِن نَفسك جِهادًا في الوصُول إليه ونَيْلِ جنته.
ولي فيك يا رمضان آمال معلقة
جلاء همّ في الأعماق قد سكن
وغفران ذنبٍ عن الأنظار قد بطن
وإصلاح قلب إلى التقصير قد ركن

شيخة الحكمي

‏خير الشهورِ متى عن نورِ غرّتهِ
‏ينشقّ ثوبُ الدُّجى ؟- بُشراك ياخبرُ

‏أرواحُنا عطشتْ والشوقُ يسبقها
‏على أحرِّ من الجمْراتِ تنتظرُ

‏فياهلالاً تُريحُ العينَ طلّتُهُ
‏عجّل بوجهٍ فداكَ العينُ والنظرُ

الدكتور محمد الخالدي

رمضان ليس مجرد شهر، بل رحلة تتجدد فيها الأرواح وتصفو القلوب. إنه فرصة لتعيش أسماء الله الحسنى، فتشعر بلطفه، وتستشعر رزقه، وتتعلم كيف تغفر كما يغفر لعباده.
‏اقرأ القرآن كرسالة موجهة إليك، تأمل كل آية واسأل نفسك: كيف أجعلها منهجًا لحياتي؟ تدبره بوعي، ليصبح نبض قلبك لا مجرد كلمات تتلى.
‏دع صيامك يشمل الجوارح والمشاعر، امتنع عن القلق، عن المقارنات، عن كل ما يسرق هدوءك. درّب نفسك على الامتنان، واكتب كل يوم ثلاث نعم دون تكرار، ستكتشف أنك كنت أغنى مما تظن.
‏اجعل لحظات الإفطار سجدة امتنان، وليكن سحورك دعاءً صادقًا. مارس العطاء بروح نقية، تصدق بكلمة، بابتسامة، بدعاء لمن لا يعلم عنك شيئًا.
‏اختر عادة تبقى معك بعد رمضان، ربما صمت التأمل، أو لحظة تدبر قبل النوم، أو عبادة بإتقان لا بروتين. عندما يرحل الشهر، تأكد أن شيئًا منه لم يرحل عنك. اجعله نقطة تحول، لا محطة مؤقتة، واترك أثره في قلبك كما يبقى العطر بعد مرور الطيبين.

منال السويهري

مع بداية رمضان نصيحة استبدل السوشيال ميديا بقراءة القرآن الكريم وشوف الفرق بعد شهر .

الشاعرة هبة محمد

‏رمضانُ أقبل..كلُّ الكونِ مُبتهجُ
‏تاقتْ لأنوارهِ الأحداقُ والمُهَجُ

‏عامٌ مضى ملؤُهُ الأوزارُ تُثقِلُنا
‏وها هو البابُ مفتوحٌ لِمنْ ولَجُوا

‏شهرُ المساكينِ..كم نهفوا لطلعتِهِ
‏تئن أرواحنا..أنَّى لنا الفرَجُ؟

‏عتقٌ من النّار،رحْمات ومغفرةٌ
‏ومَكرُماتٌ لها الأنوارُ تنبَلِجُ🌙

الأستاذة إبتسام المقحم

قال ابن الجوزي -رحمه الله-:
‏” شهر رمضان ليس مثله في سائر الشُّهور ، ولا فضلت به أمَّة غير هذه الأمَّـة في سائر الدُّهور ، الذنب فيه مغفور ، والسَّعي فيه مشكور ، والمؤمن فيه محبور ، والشيطان مبعدٌ مثبور ، والوزر والإثم فيه مهجور ، وقلبُ المؤمن بذكر الله مَـعمور ” .

الدكتور صفوق العنزي

‏تتمة لهذا المقال الجميل لو أنصتنا جيداً لرمضان لتعلّمنا منه أن الاستيقاظ لصلاة الفجر ليس بالأمر الصعب، وان قيام الليل يسير لو وضعناه اولوية، لفهمنا من صومنا ان الامتناع عن الشهوات قرار، وان الكف عن الاذى والشر إرادة، رمضان يخبرنا ان الاحلام تتجدد وأننا قادرين على العطاء وقادرين دائماً على البدء من جديد.

الأستاذة فوزية الدريهم

رمضان شهراً واحداً سريعُ الانقضاء، إلا أنه يُغيِّر لنا جُلَّ عاداتِنا، ويُغيِّرَ لنا مواعيدَ نومنا واستيقاظنا، ومواعيدَ أكلنا وشربنا، ومواعيدَ ذهابنا ورجوعنا، فالموفقين،فيه يدربوا أنفسهم وَيَعودوها على الخير والبر، وَيِبنَوا فيها من القِيَم الحمِيْدَةِ، والسلوكياتِ الحسنة ما يُقوِّم أخلاقهم، ويُصلحُ أحوالهم .

المعلمة هيا العساف

وقد كان السلف – رضوان الله عليهم- يحفظون الصيام بالمكث في المساجد؛ لئلا يتركوا الكلام المطلوب، وهو الذكر والتلاوة، وينجروا إلى الكلام المباح من القيل والقال، والذي لا يتورع في مثل هذه الظروف عن الكلام المباح يجره إلى الكلام المكروه .

د. مريم المازني

‏إِنْ اسْتَوىٰ يَومُ رمضَان بغيرِه مِنَ الأيَّام « فأنتَ مغبُون » .. رمضَان أيامٌ وينصَرم ‏فطُوبَىٰ لمَن جدّ واجْتهَد وهنِيئاً مِن عَاش تَفاصيل هذا الشّهر وكأنه رمضآنه الأخير ، ولنا فيما ذكرت الأستاذة منى الشعلان في هذا المقال الجميل عظة وعبرة وذكرى {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}.

عبدالرحمن المنذر

فإن من أدرك شهر رمضان ومكّنه اللّه من الإنتفاع به ، فقد أنعم اللّه عليه نعمة عظيمة لا يعدلها شيء .
وما يدريك لعل في ليلة من ليالي رمضان تقف أمام أمانيك قائلاً “قد جعلها ربِ حقاً”.

م.صالح العصيمي

‏ودائع رمضان من العمل الصَّالح كنزٌ يفرح به أهله إذا وفدوا على الرحمن؛ فاستودعوه خيرًا، تجدوه عند الله، هو خيرًا وأعظم أجرًا.

هالة الصادق

لا زال رمضـان يمضي إن أحسنت فـزِد ، وإن بَعُدت فعد وإذا غفلت
فاذكر {لَعَلَّـكُمْ تَتَّقُونَ} ولو فترت عزيمتك وتكاسلت فتذكر {أَيَّـامًا مَّعْدُودَاتٍ}.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *