لا تغذِّ عقل القرد!

خلق الله -سبحانه وتعالى- العقل لخدمتنا، والقيام بما يضمن تقديم هذه الخدمة على الوجه المطلوب، كما أنه صُمِّم لحمايتنا، لكن حين يصبح مهووساً بالسيطرة على المستقبل؛ فإنه يتحول إلى مصدر للمعاناة؛ حين يبدأ بالقفز من فكرة لأخرى دون توقف؛ مما يؤدي إلى التفكير الزائد، والمخاوف، والوساوس، وردود الفعل المبالغ فيها.
صوّرَتْ جينيفر شانون -المعالِجة المتخصصة في القلَق- العقل القلِق بـ “عقل القرد”، فهو ذاك الصوت الداخلي القلِق، الذي يحذّرك باستمرار من الكوارث المحتملة، ويُثيّر فيك مشاعر الخوف والشك،ويخلق قلقاً مفرطاً لا أساس له من الواقع، ويقوم صاحبه بالاستماع إليه، والتصرف بناءً على أوامره، وكلما أطعته؛ زادت سيطرته.
ولعلَّ المواقف الاجتماعية خير مثال لذلك، فمثلًا إذا خفت من موقف اجتماعي ما وتجنّبته؛ يشعر القرد أنك أنقذت نفسك، فيُعيّد نفس التحذير كل مرة؛ وهذا يخلق حلقة مفرغة من الخوف وردة الفعل.
وذكرتْ جينيفر شانون في كتابها “لا تغذِّ عقل القرد” أن القلق مبني على ثلاثة مخاوف رئيسة:
‏1- الخوف من الخطر: توقُّع الأسوأ، والقلق على الصحة، والمال، والحوادث.
‏2- الخوف من الرفض: القلق من نظرة الناس، والإحراج، وفقدان الحب أو القبول.
‏3- الخوف من العجز: الخوف من الفشل، والشعور بعدم الكفاءة، أو عدم القدرة على التحكم في الحياة.
وحذَّرتْ الكاتبة من تغذية عقل القرد عبر إطعامه بتجنُّب المواقف المقلقة، والبحث المستمر عن الطمأنينة من الآخرين، ومحاولة السيطرة على كل شيء، والاستسلام للأفكار السلبية.
‏فكل هذه الأفعال تُغذّي سلوك القرد وتعززه، وتجعله مُتمكِّناً من السيطرة على صاحبه.
واقترحتْ الكاتبة استخدام تقنية “الملاحظة بدون تفاعل” عبر مراقبة أفكار القرد كما تراقب سحابة تمر، وعدم تصديق تلك الأفكار التي يأتي بها، وعدم محاولة مقاومتها، مع أهمية تقبُّل وجود القلق دون محاولة طرده.
إن العمل وفق هذه الاستراتيجية؛ يمنح الإنسان الفرصة للعيش في حالة تصالُّح مع عدم اليقين، لا القضاء على الخوف تماماً.
‏الكتاب يُشدد على أن النجاح لا يأتي من مواجهة واحدة، بل من الاستمرارية؛ فكل مرة تختار أَلَّا تُطعم القرد؛ تضعف سيطرته، وكل مرة تواجه فيها خوفك؛ تُنمّي ثقتك بنفسك، مع السماح بوجود هامش من الانتكاسات، لكن المهم هو الالتزام بالممارسة -الذي هو أساس العلاج السلوكي المعرفي- عبر كسْر دائرة القلق من خلال السلوك الجديد، مع الوعي بأن عقل القرد لن يختفي تماماً، لكنه يمكن أن يصبح أضعف، وأقل حركةً وقفْزاً؛ إذا توقفت عن تغذيته.

سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *