صحيح أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه كما يرى ابن خلدون، لكن على الإنسان العمل على تقنين هذه الحالة الاجتماعية، فلا إفراط ولا تفريط.
يقول الدكتور عاصم العقيل الطبيب النفسي واستشاري اضطرابات الاكتئاب والقلق:
“كل إنسان ربما له جرعة اجتماعية معينة.
إذا نقصتْ؛ ربما تعب، وإذا زادتْ؛تعب.
هل تعرف كم هي جرعتك الاجتماعية؟
حتى نفس الجرعة تختلف نوعها.
النفس لا تقبل وتتقبل كل الأشخاص”
ولعلَّ هذا يتفق مع من يرى أن جودة الحياة تعتمد في النهاية على جودة العلاقات، وجودة العلاقات تعتمد على جودة التواصل.
وعملية التواصل هنا لا تعني بالضرورة الإفراط فيها دون تقنين.
وقد نقع في فخّ فهْم عملية التواصل عندما نخشى الصمت، ونخشى الملل، ونختار بدلاً من ذلك الإلهاء بلا هدف، ولا يسعنا إلا أن نهرب من مشكلات عواطفنا إلى وسائل الراحة الزائفة للعقل؛ فنقذف بأرواحنا على قارعة الطريق؛ أملاً في سيّارة عابرين يحتوون آلامنا، ويحتضنون جراحنا، وكأننا لا نعلم أن بقاء الإنسان وحده خير له من إراقة ماء كرامته في سبيل إقامة علاقات زائفة تُقيّم صُلْبه الاجتماعي.
ويغيب عن أذهاننا -وسط هذه الحالة من التيه- أن العلاقات الإنسانية أساسها التقبُّل، وليس التحمُّل.
وهذا يقودنا إلى استحضار قول الجاحظ:
«من لم ينشط لحديثك؛ فارفع عنه مؤونة الاستماع منك»
إننا إنْ عجزنا عن إدراك كينونة العلاقات الاجتماعية، وأساسها القائم على التبادل؛ أُصيّبتْ حواسنا بالعطب، وقلوبنا بزهْد التواصل، وعقولنا بقلة الحيلة في مواصلة مسيرة الشغف في بناء علاقات سوية مع الآخرين.
إننا إنْ فَقَدَنا بوصلة بناء العلاقات الاجتماعية، ومرتكزاتها الخاصة بها؛ قد نصل إلى المرحلة التي وصل إليها هاروكي موراكامي حين عَبَّر عنها بقوله:
“يحتاج الحديث مع الآخرين جهداً لم أعد أملكه”!.
سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي