يبدو أننا نمضي نحو أقدارنا، بل ونغذّ الخُطى نحوها؛ فنجد أنفسنا في ركْضٍّ دؤوب، ولهْث مستمر، وغاب عن أنفسنا أن كل خطوةٍ نخطوها تُقَرّبنا أكثر وأكثر من قَدرنا الذي نجهله، ونغدو كَفَرَاشٍ مَبْثُوثٍ يذروه القدر نحو الحشر، ويهرب إلى حَتْفه ظناً منه أن سيبلغ غايته، ولم يدرك أنه سيصبح وقوداً لتلك النار التي أغرته وتزيّنتْ له في صورة ضوءٍ فتَّان.
يسير المشهد -الذين نحن أبطاله- في تدفُّق عجيب، وتناغم مُذْهل، دون أن ننطق بكلمةٍ واحدةٍ من السيناريو الذي حُبكتْ أحداثه، وسُبكتْ تفاصيله.
نؤدي المشهد بإتقانٍ شديد في حركاته وسكناته، وتتحرك جوارحنا في تمثُّلٍ فريد لكل معانيه.
ونحن في هذا المُضيّ نخال أنفسنا أننا نسلك السبيل الصحيح، ونتزود بما يكفي لبلوغ غايتنا، وأننا بلغنا شأناً عظيماً في سبْر أغوار الحياة، ومعرفة دهاليز أحداثها، وأننا نمتلك القدرة لتجاوز أخاديد تقلباتها.
ولعله يغيب عن أذهاننا -ونحن في وسط هذا السباق المحموم المتطرف- أن مُعلِّم الحياة يتجول في أنحاء أحداثنا بحقيبة دروسه الصارمة؛ ليخبرنا بأن سذاجتنا منحتنا طبائع لا نتخلى عنها، وأن قلوبنا ران عليها مفارقات كثيرة لا يمكن تخمينها.
ولعَلَّ أكثر ما يُصيب الإنسان من العُجْب والتيه والزهو أنه توصَّل إلى سر الحياة، وتكشَّفتْ له كل ألغازها، وباتت يسيرة عليه، ومُطْواعة في يديه، ولم يعلم أنها تمنحه ذلك في وقت متأخر من العمر كما يقول بطل (رواية ترمي بشرر) للكاتب عبده خال:
“تمنحك الحياة سرَّها متأخراً حين لا تكون قادراً على العودة للخلف، ومسْح كل الأخطاء التي اقترفتها، وحين ترغب في تمرير سرّها لمن يصغرك لا يستجيب لك؛ كونه لا زال غرّاً بما تمنحه الحياة من تدفّق في أوردته”!.
سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي