يعاني كثير من الناس من القلق نتيجة ضغوط الحياة التي تعصف باستقرارهم النفسي.
والقلق ليس مجرد استجابة نفسية، بل هو نمط سلوكي متكرر يصبح عادةً راسخة في الدماغ جراء تكراره، كأي عادة سلوكية أخرى.
ويشرح الدكتور جودسون بروير في كتابه “تفكيك القلق” أن أدمغتنا تعمل وفق نظام المكافأة، حيث يربط العقل بين الشعور بالقلق ومحاولة إيجاد حل؛مما يؤدي إلى تعزيز هذه العادة، حتى عندما لا يكون هناك حلٌ فعلي.
فمثلاً، عندما يشعر الشخص بالقلق بشأن المستقبل؛ يبدأ بالاجترار الفكري، محاولًا توقُّع كل السيناريوهات السيئة، ويعتقد أن هذا التفكير مفيد، لكنه في الواقع يعزز دائرة القلق، دون أن يدري؛ مما يجعله أكثر رسوخاً في دماغه.
ويوضح الدكتور بروير كيف يبدأ القلق كاستجابة طبيعية للخطر لدى أي إنسان، لكنه يتحول إلى عادة عقلية عندما نستخدمه كوسيلة “للسيطرة” على المستقبل، وهنا بداية شرارة القلق في الإنسان.
ويستخدم بروير أمثلة من الحياة اليومية، مثل القلق بشأن رسائل البريد الإلكتروني غير المقروءة، أو القرارات المهنية الصعبة؛ ليظهر كيف يتحول الأمر إلى عادة تلقائية، وذلك من خلال نموذج العادات العصبية المكون من ثلاثة أجزاء:
١- المحفز: موقف يثير القلق (مثل انتظار نتائج اختبار طبي)
٢- السلوك: اجترار الأفكار، أو اللجوء إلى الطعام، أو الجوال؛ لتخفيف القلق.
٣- المكافأة: شعور مؤقت بالراحة، لكن القلق يعود مجدداً، مما يعزز العادة.
ويبين لنا الكتاب كيف يمكننا كسر دوائر القلق من خلال توظيف تقنيات اليقظة الذهنية، كأداة فعالة لتحطيم هذه العادات، وذلك عبر ثلاث خطوات رئيسة:
١- الوعي باللحظة الحالية: بدلاً من الغرق في التفكير بالمستقبل، يمكننا التركيز على ما يحدث الآن.
٢- الفضول بدلاً من الحكم: بدلاً من انتقاد نفسك على القلق، تقبّله، ثم حاول أن تراقبه بفضول، وكأنك تدرسه من الخارج. ومن هنا تبدأ عملية تفكيكه.
٣- إعادة برمجة الدماغ: عبر ممارسة الوعي المستمر والتفكير الواعي الإيجابي المتفائل، وهذا يساعد الدماغ في إيقاف خطوات تسلسل تكوين القلق؛ لغياب مرحلة استدعاء السيناريوهات السلبية.
ويشرح الكتاب خطوات التطبيق العملي في كيفية معالجة أنفسنا من القلق، وذلك من خلال تقنية “R.A.I.N” للتعامل مع القلق.
حيث يقترح الدكتور بروير استخدام استراتيجية تدعى R.A.I.N، والتي تتكون من أربع خطوات:
١- التعرف على الشعور بالقلق عندما يظهر.
٢- قبول القلق دون مقاومة.
٣- استكشاف مصدر القلق وأثره على الجسد والعقل.
٤- إدراك أن القلق ليس هويتك، بل مجرد تجربة تمر بها.
إن القلق يشبه دوامة تسحبك للأسفل. لكن بمجرد أن تدرك أنها مجرد تيار من الأفكار وليس أنت؛ يمكنك حينها أن تتقبله ليتفكك، وينخفض مستوى تأثيره عليك، ويقل منسوب تدفقه في ذهنك.
سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي