الخلاف أمر طبيعي، بل صحي؛لأنه يعكس وجود شخصيتين مختلفتين أو أكثر، لكل منها منظوره واحتياجاته وطريقة تعبيره.
وتظل الطريقة التي يُدار بها الخلاف، هي التي تصنع الفرق بين علاقة تنمو،وعلاقة تنهار.
عندما نصل لمرحلة نقدر فيها نسمع الطرف الآخر بوعي،  بدون أن نجهّز الرد،بل نجهّز الفهم، نكون بدأنا نمارس إدارة الخلاف.
عندما نهدأ،حتى في لحظات الغضب، ونختار الوقت والمكان المناسب للحوار، نكون بدأنا نحترم العلاقة أكثر من “الأنا”.
وعندما لا نسمح للخلاف أن يتحول لحرب، ولا نستخدم عبارات جارحة أو تذكير بأخطاء الماضي؛ نكون فعلاً نضع أساساً متيناً لعلاقة ناضجة.
إدارة الخلاف لا تعني إلغاء الاختلاف، بل تعني أن نختلف بطريقة تحفظ الود، وتبني الجسر بدل أن تهدمه.
وإدارة الخلاف مهارة، يمكن تعلُّمها،وممارستها، وتتطور مع الوقت، وتتطلب وعياً، وصبراً،وقراراً مفاده: أن العلاقة أغلى من أن تُكسر بلحظة غضب.
وإدارة الخلاف يمكن أن يكون علماً قائماً بحد ذاته، له أدواته وأنماطه.
فعندما يحدث خلاف داخل منظمة، أو بيئة عمل، أو أسرة؛ ينقسم الناس غالباً إلى خمسة أنماط، أولهم القرش، وهذا يتعامل مع الخلاف وكأنه معركته الخاصة، ويضع في حساباته خيار الربح فقط ولا غيره، ويرى أن رأيه هو الصحيح، وهذا النمط ضروري خصوصاً عندما يكون الخلاف على مبدأ لا يوجد فيه مجال للتنازل عنه، أو التفاوض حوله، لكنه خلاف هذا الخيار؛ يكون مدمراً للعلاقة.
والنمط الثاني،السلحفاة، وهو نمط مبني على مبدأ عليّ وعلى أعدائي، أو الخسارة للجميع. ويظهر أحياناً هذا كضعف، ولكنه يمكن أن يكون خيار استراتيجي، وخصوصاً عندما لا يمتلك قوة في التفاوض، أو أن يكون الخلاف لا يستحق كل هذا التصعيد.
وثالث هذه الأنماط، الثعلب، وهذا النمط يفضل تقسيم الخسارة بالتساوي بين أطراف الخلاف، ويمكن أن يكون أسلوب ذكي للتعامل مع الخلافات المعقدة، لكنه غالباً يأتي كخيار مؤقت، ولا يحل جذور المشكلة.
أما النمط الرابع، الدب الوديع، وهو غالباً يقدم التنازلات من أجل المحافظة على استمرار العلاقة، نواياه طيبة، لكن هذا النمط يتعب صاحبه، وغالباً يستغل من أطراف الأخرى في النزاع.
وآخر هذه الأنماط وأندرها، البومة، رمز الحكمة، وهذا النمط يأخذ وقتاً من أجل الاستماع وفهم المشكلة، يبحث عن حل مرضي لجميع الأطراف، وهذا يحتاج منه إلى حكمة وبصيرة وصبر لا تتوفر عند غيره من الأنماط الأربعة السابقة، وعندما ينجح في نزع فتيل الأزمة؛ يحول الخلاف إلى ثقة أقوى، واستمرارية أطول بين أطراف الخلاف.

سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@