آيات الجَمال في حياتك!

يسعى كل إنسانٍ أن يكون جميلاً في مظهره ومخبره على الرغم أن الجمال قد يبدو نسبياً؛ فما تراه جميلاً ليس بالضرورة أن يراه غيرك جميلاً، ولكن ثَمَّةَ جمالٍ يأتي جامعاً لكل الخصال الطيبة والصفات الحميدة.
ولعلَّ هذا يدعونا إلى أن نُرَبّي أنفسنا على غرْس الجَمال فينا قبل أن نحرص على رؤيته فيمن حولنا.
والجمال لا يمكن اختزاله فقط في الأشياء المادية، ولكنه يكمن في ذواتنا ونحن بدورنا نُسقطه على تلك الأشياء؛ ومن هنا نبدأ في تهذيب وتربية أنفسنا على رؤية الجمال وتلمُّسه في شتى مناحي الحياة.
يقول الروائي فرانز كافكا:
‏”من يحتفظ بالقدرة على رؤية الجمال؛ لا يشيخ”؛ وعليه فقد تتشابه أيامك؛ فتغدو نسخاً متكررة حين تتوقف عن إدراك الجمال.
ويمكن للإنسان تربية نفسه ودفْعها باتجاه رؤية الجمال عبر أمور عدة، منها تدبُّر آيات القرآن الكريم التي وردتْ فيها كلمة الجمال ونحوها، حيث أن كل المواضع التي وردتْ فيها كلمة “جميل” متعلقة بمعاملة الغير، الصفح والصبر والهجر والسراح، والمعاملة هي محل الأخلاق؛ فيكون الجميل في القرآن الكريم هو الجميل الأخلاقي، فالتخلّق جمال، ورتبة الجمال الأخلاقي رتبة قرآنية رفيعة سامية.
وهذه دلالة واضحة على أن الجمال يكمن في كبْح النفس على مطاوعة رغباتها في الانتقام، بل يكمن في التحلي بالصبر والعفو عند المقدرة، وهو جمالٌ خفي غير ظاهر لا يفطن له كثير من الناس.
كذلك من الأمور المُعِيّنة للإنسان على تربية نفسه على رؤية الجمال، إدراك فلسفة الجمال في الدين الإسلامي، فلقد جاء في خطبة الجمعة بالمسجد الحرام
لفضيلة الشيخ الدكتور فيصل غزاوي بتاريخ 15 ذو القعدة 1442هـ أن من أسماء الله الحسنى “الجميل”، فهو جميل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، كما أنه يُعبد بالجمال الذي يحبه من الأقوال والأعمال والأخلاق، وهو الذي قضى أن يكون التديّن بالإسلام جميلاً بأن يتجمّل الناس به، ويتزينوا بعبادة لربهم، وعمارة للأرض في أيام حياتهم.
والتدين بالإسلام هو تمثُّل قيم الجمال والتزيّن بأنوارها في السلوك والوجدان، ومتى أسلم المرء؛ جَمُلَ حاله، وازدانتْ فِعاله، وحسُنت خصاله. فكل طاعة نتقرب بها إلى الله؛ فهي حُسنٌ وجمالٌ يحبه الله جل في علاه.
كذلك مما يعين الناس على رؤية الجمال، أن يجعلوا من الجمال نافذةً يمدوُّن منها بصرهم على الحياة، ومن الحمد والامتنان قلباً مُبْصِراً على نعم الله ظاهرةً وباطنة، ومن الرضا عيناً ترى رحمة الله في كل الأقدار.
ومما يزيد من نسبة رؤية الجمال عند الإنسان، القراءة المتعمقة لأدبيات الجمال في سلوك القدوات، ومن ذلك ما نستلهمه من سيرة رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- في تعامله مع أهل بيته،وأصحابه، حتى مع غير المسلمين. وأيضاً من سلوك القدوات، نصيحة الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- التي يقول فيها:
‏”عاملوا الناس بما يظهرونه لكم، والله يتولَّى مافي صدورهم”
‏أيضاً من جماليات القدوات، ما نجده عند عائشة -رضي الله عنها- حيث كانت تمسح النقود الذهبية بمنديل معطر بالمسك قبل إخراجها للفقراء.
ومما يساعد الإنسان على رؤية الجمال، يقينه بأنه لن يرى الجمال؛ حتى يُرَبّي نفسه على استشعاره.
كذلك إدراكه بأنه لا يكون كل يومه جميلاً،‏ لكن ثَمَّةَ جمال يسكن ذلك اليوم.
ويمتد ذلك إلى بقية أيامه، فثَمَّةَ جمال يسكن كل مرحلةٍ من مراحل العمر، ولكل مرحلة مظاهر جمال تختلف عن غيرها من المراحل.
‏فالجمال يولد بأشكال عديدة؛ عندما تُغيِّرْ زاوية رؤيتك؛ وستراه في كل مكان.
‏ويمكننا توجيه بوصلة أذهاننا باتجاه قِبْلة الجمال، ولُتقِيِّم قلوبنا صلواتها، وتُنّشدُ ابتهالاتها؛ حتى تبلغ قلوبنا غاياتها.
كذلك من الأمور التي تساعدنا على رؤية الجمال، وعْينا بأن ‏ثَمّةَ جمالٍ يسكنُ روحَ كل إنسان، وأن تصوُّرنا السلبي المُسبق عن ذلك الإنسان؛ يمنعنا من النَّفاذ إلى رؤية ذلك الجمال الروحي.

سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *